Friday, May 10, 2013

شتاء مباغت



على مدار ثلاثة أيام تحدثني نفسي بأن روائح الخريف هلّة! بل والأكثر من ذلك، فلقد أخبرتني أنفي الحساسة بأنه ثمة  مطر قادم! عندما قلت ذلك لأبي وأمي قالت لي أمي ذات الأنف الخبيرة بنزول المطر وهبوب العواصف والنوات: "أنا أيضا أشعر بأننا في سبتمبر أو أكتوبر، لكن ليس لدرجة أن "الدنيا تشتي يا مشيرة"! قلت لها لا أعلم لكنني أشعر بأنها ستمطر أو "حاتشتي" بلهجتنا نحن الاسكندرانية! كان هذا يوم الثلاثاء الماضي، أي منذ ثلاثة أيام، ولم يغادرني هذا الشعور! 

حتى جاء اليوم محمّلا بالبركة والمفاجآت! الجمعة 10 مايو 2013! استيقظت على أصوات خبرتها جيدا! أصوات قطرات المطر حينما تداعب شباكي الذي يطل على الفراندة! لم أصدق.. كأي اسكندرانية أصيلة تعلم طقوس يوم الجمعة لربات البيوت، قلت قد يكون الجيران قد تلبستهم حالة مفاجئة من الرغبة في تتنظيف شباكهم، لكنني تيقنت من أن الشقة التي تقع فوقي مباشرة لا يسكنها أحد منذ سنين وبأن الشقة التي فوقها ليس بها بلكونات، وحتى اذا قامت جارتنا العروس الجديدة اللطيفة التي قابلتها عدة مرات على سلم بيتنا، ووالتي كانت دائما ما تنظر لي على استحياء يليق بأي ساكن جديد يشعر بأنه دخيل على هؤلاء الجيران الذين يعرفون بعضهم البعض لسنين، بتنظيف شباكها فلن تتساقط المياه على فراندتي بهذا الشكل المتتابع والقوي! استيقظت واتجهت مباشرة لبلكونة غرفة المعيشة حيث أنها تطل على الشارع الرئيسي فتعطيني مشهدا أفضل للمطر، أو على مدد الشوف. يا الله! غيام شديد وشبه ظلمة ودفقات غزيرة من المطر تتساقط، ومارة أخذوا على حين غرة يجرون ليختبئوا من هذا الزائر المفاجئ الذين لم يستعدوا له! قلت لأبي: "ايه الحركات دي بقى؟ احنا مش في مايو برضه؟" ألم نحتفل سويا بعيد شم النسيم منذ عدة أيام؟ وهو في عرف المصريين ايذان ببدء الصيف؟ ألم نقم كلنا، او معظمنا لكيلا أبالغ، بتطليع الشتوي وتنزيل الصيفي؟ ألم تغير الشرطة رداءها من الأسود للأبيض؟ وكأنه "سيم" بينها وبين المواطنين بلهجة آمرة تعودنا عليها من الشرطة المصرية، وكأن لسان حالها يقول لنا بأن: "ياللا يا شعب، صيّف، احنا اهو صيفنا! مالكش حجة بقى انت وهو وعلى الله نلاقي كلب منكم لابس شتوي!".كانت أمي تستريح لأنها لم تنم جيدا بالأمس! فوقعت أنا وأبي في معضلة هل نشيل الغسيل أم نتركه يبتل؟ الى أن قررنا أنه من الأفضل أن "نشيل" الغسيل وليجف بالداخل بدلا من أن يشتد المطر! 






لا أخفي عليكم، ولعلكم تعلمون جيدا أن نزول المطر في تلك الساعة المباركة من يوم الجمعة يمثل ربكة شديدة لأي اسكندراني يستعد لصلاة الجمعة، أو يستعد للخروج في هذا التوقيت لقضاء لعض مشاويره حيث تكون الشوارع رايقة! معظم المساجد لا تحتمل عدد المصلّين فتفرش الحصر خارج حرمها، ومن المنطقي أنهم لا يكونوا مستعدين لسقوط المطر في تلك الساعة! تقول الأسطورة أن المطر يتوقف ساعة صلاة الجمعة! لكن تلك الأسطورة دحضتها التغيرات التي حدثت في مناخنا المصري الحار جاف صيفا والدافئ ممطر شتاءا بفعل الجلوبال وورمينج او الاحتباس الحراري! 

بقى أبي في المنزل، وهذا ليس من عادته، حيث أنه يذهب للصلاة قبل الآذان، وانتظر حتى يخف المطر بعض الشيء، ثم توكل على الله، وعزم على النزول للصلاة لكن داخل جامع سيدي جابر، الجامع الأقرب لنا، وليس الجامع الذي يفضّله في مساكن مصطفى كامل التي تقع على مقربة منا على بعد محطتي ترام. حاول أن يبحث عن الشمسية لكنه لم يجدها، وقلت له: هي مع الشتوي، طلعناها من اسبوعين! قال: مش مشكلة، حاتصرف! مش عارفة حايتصرف ازاي! فهو لا برتدي جاكيت بقلنسوة! خفت أن يبتل لكنني تأكدت أنه بالفعل "حايتصرف". كانت تلك الكلمات التي أخطها هنا، قد اختمرت وشعرت أنني يجب أن أجلس وأكتب! لكن قبل أن أفتح اللاب توب واجلس لكي آخذ وضع الكتابة، وقفت خلف زجاج البلكونة أنظر للسماء وأتحدث اليها، تلك عادة اعتدت عليها منذ عدة سنوات، أن أتحدث الى السماء والى الله ان اردت! أليس هو القائل: "ادعوني أستجب لكم"؟ اعتدت ايضا على الدعاء وقت المطر، اشعر انها فكرة رومانسية جدا! لا أعلم ما تفسيرها، لكنها أعجبتني! ودائما ما اقوم بها وأدعو لله بأن يكون المطر حوالينا ولا علينا. دعوت الله ثم فجأة نظرت للسماء وكأنها صديقة قديمة ومتعودة عليها:

"وكان ليه الغضب ده بس؟ ما كان ممكن نعبر عن نفسنا بشكل أهدى من كده على فكرة، ولا هو لازم الزعيق والنرفزة؟" 

الجمعة 10 مايو 2013

الساعة 12:23 ظهرا وقد توقف المطر وأشرقت الشمس في اشارة واضحة للجميع بأن الأسطورة قد تكون صحيحة في نهاية الأمر!






Wednesday, May 8, 2013

بعيدا عن السياسة ذلك أفضل جدا

كلما ارى تعليقات بعض الزملاء والزميلات على الفيسبوك بمناسبة الانتخابات الداخلية لحزب المصريين الأحرار، يتأكد لدي يقين انني والسياسة لم يخلق كلانا للآخر، "مش لايقين على بعض"! لقد طالني من مستنقعها بعض الشوائب في الماضي القريب بسبب أخطائي وأخطاء البعض الذين كنت أثق فيهم، لكن هذا لا يعني أنني يجب أن استمر في الخوض فيه حتى تصل الشوائب لمستوى لا استطيع معه التنفس هواءا نقيّا، بل وأموت غرقا في مستنقعها مثل الكثير من الرموز التي رأيناها تسقط والتي آلمني رؤيتها تغرق! بعض الأشخاص الذين كنت أظن أنهم أصدقاء أعزاء وصديقات عزيزات بل أخوة وأخوات لا اتفهم مواقفهم الآن! كنت أظن أن الثورة قد غيرت نفوسا للأفضل، لكنني، وبما أنني أصبت بداء السذاجة منذ زمن طويل، وكعادتي دائما لا اتعلم من أخطائي، فأنا أعتقد أن الجميع طيبون وكلهم ذوو نوايا حسنة! ثم تظهر لي الحقيقة العارية، فهي لا تتورع عن اظهار عوراتها لي بالرغم من أنني أداري عينيّ كي لا اراها، لكنها تفرض نفسها ولا تدع لي مجالا للهروب او مساحة للاختباء! لهؤلاء الأصدقاء والصديقات أقول: هنيئا لكم بواقعكم الذي سجنتم أنفسكم فيه! كنت أتمنى أن أراكم خارج هذا المستنقع تقفون معي رافعين رءوسكم ناظرين لمن هم أدنى منكم بشفقة لكن بكرامة! قد لا تكونوا مخطئين وقد لا اكون على صواب، لكنني على يقين من أنه بعيدا عن السياسة: ذلك أفضل جدا....

ملحوظة: لا أحتاج منكم يا أصدقائي تعليقا يحمل التأنيب أو اللوم أو التذكير بنصائح سابقة تؤكد لي ان "ايه اللي خلاكي بس تدخلي أحزاب؟" او التعليق الأشهر "ايه اللي وداكي هناك" فأنا أعلم كل ذلك مسبقا، لكن كان هناك أمل، تشبثت به وتعلقت به كما يتعلق الغريق بالقشة! وبما أنني خصصت تلك المساحة لي، وللبوح بما أريد كشفه، فأرجو منكم أن تحترموا خصوصية تلك المساحة. وأشكركم على تفهمكم

مشيرة صالح 
الأربعاء 8 مايو 2013