Saturday, November 2, 2013

وحدة

ساعات بتنسى انها وحيدة وانها محتاجة ونس، عشان بتبقى شاغلة نفسها وبتحاول دايما تبقى مع الناس، وبعدين فجأة تحصل حاجة تحسسها انها بالفعل وحيدة، وان كل الحاجات اللي بتعملها والعفرتة اللي بتتعفرتها، مش بتملى كل وقتها! هي بتحاول دايما انها تشغل يومها كله! تفضل كده شاحنة يومها عشان ما تفضاش ولو نص ساعة، عشان ما تفكرش في اللي بيضايقها او اللي شاغلها... لكن يظل، بالرغم من كل ده، جزء ما في اليوم، وهو دائما أسوأ جزء في اليوم، تلاقي الوحدة متجسدة قدامها، كأنها بني آدم بيطاردها ومش عارفة تهرب منه، او شبح بيطلعلها يخوفها، زي بالظبط ما اليزابيث جيلبرت وصفت الوحدة والاحباط في كتابها Eat Pray Love! بتحس جواها بوجع، ألم في قلبها بيحسسها ان بداخلها فراغ كبير لم تستطع ملؤه، ان لديها احتياج مش قادرة تلبيه! ودي المفارقة بقى! عشان هي دايما بتحسس الناس اللي حواليها بالأمان، بتطلب من الناس انهم يرموا عليها حمولهم، وبيكونوا متأكدين انها حاتشيل وحاتستحمل، بس مؤخرا مابقتش قادرة تشيل حتى حمولها هي! الوجع بقى فوق الاحتمال والوحدة بقت لا تطاق...

وحدة للرائعة دينا الوديدي



Quoi qu'il arrive...

لما كنت صغيرة في أو فريق مرشدات جيرار - الكشافة يعني، كان عندنا طقوس معينة كده في كل حاجة! من أهمها الأغاني! وبما اني باحب الأغاني جدا، كنت باتأثر اوي بالفقرة دي! اصل احنا في الكشافة عندنا اغاني لجميع المناسبات، بالفرنساوي والعربي وساعات كلام مالوش اي معنى بالنسبة لنا، وعادة دي بتبقى فلكلور من امريكا اللاتينية او افريقيا والراهبات كانوا بيعلموه لقائداتنا قبلنا لحد ما يوصلنا احنا! 

فمن طقوسنا مثلا اننا لما نصحى من النوم ونحيي العلم، نغني أغنية صغيرة، قبل ما بناكل بنشكر ربنا ونغني، بعد ما بناكل برضه بنشكر ربنا في اغنية تانية، واحنا بنعمل انزال العلم في وقت المغارب نغني اغنية لتحية العلم، وقبل ما ننام برضه في اغنية جميلة نختم بها اليوم. كمان اثناء اللعب في اغاني وصيحات تحمس الجو وكده هون!

المهم بقى كان في اغنية معينة لها مكانة خاصة جدا في نفسي وبتتغنى في مناسبة خاصة جدا! كنا بنغنيها لو فريق خسر في لعبة او تحدي ما. الأغنية دي بيغنيها الفريق الخسران والكسبان سوا، وده طبعا بعد ما يكونوا هما الاتنين حيوا الفريق الكسبان بأغنية حماسية، يتبعوها على طول بالأغنية التي نحن بصددها لكي يخففوا من وطأة الهزيمة على الفريق المهزوم وكمان عشان الكسبان ما يزيطش ويتعظ ويعرف انه له يوم وان القوي في الأقوى منه! الأغنية دي باللغة الفرنسية وبتقول الآتي - ماتخافوش حاترجمها:

Quoi qu'il arrive, j'ai toujours le sourire 
Je prends la vie, l'ennui du bon côté 
Car je me dis qu'il peut arriver pire 
Et ça suffit pour me mettre en gaîté. 
Savoir supporter ses malheurs c'est la philosophie
Il faut semer des fleurs tout le long de sa vie
Il faut semer rire et chanter

الترجمة:
مهما حصلي حافضل محتفظة بابتسامتي 
وحابص للدنيا من الجانب المشرق
عشان باقول لروحي ان كان ممكن يحصلي اوحش من كده
وده يكفي انه يرسم ابتسامة على وشي! 
تحمل الأحزان هي دي الفلسفة بعينها
لازم نبدر ورد طول طريق حياتنا، ونضحك ونغني!!! 

المهم بقى ان الأغنية دي بارددها في الآونة الأخيرة كتير جدا! يمكن عشان الحالة العامة! يمكن عشان خيبة الأمل في حاجات كتير بتحصل قدامي وليا ولناس قريبين مني! مش مهم ليه! المهم اني بارددها وخلاص #نوستالجيا 

Friday, October 18, 2013

الأرض كروية.. عن مشروع قانون تنظيم التظاهر

انا كنت ساكتة ومش راضية اقول اي حاجة عن مشروع قانون تنظيم التظاهر لحد ما اقراه، بس لسه قارية النص من شوية، وصراحة ما قدرتش اكمله عشان معدتي قلبت والله! هو بس أنا عايزة أطرح عدة تساؤلات بريئة والله!

هو مش المفروض ان اي حكومة محترمة بتبقى باصة لقدام؟ أمامها يعني! امال احنا ليه ربنا بالينا بحكومات واشخاص بيبصوا تحت رجليهم ويمكن مش واصلين لرجليهم، دول يادبك باصين لركبهم الصراحة! يعني هدف الحكومة الوحيد، او أيا كان من يحكم الآن - وهو ليس السيسي في تقديري المتواضع جدا - دلوقتي انهم يحطوا عالاخوان ويخلصوا من مظاهراتهم ومسيراتهم عشان مش قادرين يتحملوا منظر الاخوان وهما بيتظاهروا وزهقوا من التعامل التقليدي بتاع تأجير البلطجية والغاز والخرطوش والقبض العشوائي في حالات الشغب او التجمهر؟ على فكرة انا أؤيد ان الاخوان يعملوا مسيرات ويبان حجمهم الحقيقي، وهو من حقهم على فكرة، وما تستغربوش، انا مش باطيق الاخوان وتابعوا بوستاتي لو حد شاكك! بس لو الاخوان او اي حد ناوي يطلع مسيرة او مظاهرة يطلع لكن بدون أي تعدي على مواطنين آخرين، وأكرر مواطنين وليس منشآت عشان ابو ام المنشآت الصراحة!

طبعا واضح ان القانون مش حايحط عالاخوان فقط، لأ! ده حايحط على أي حد تاني يتظاهر او يعبر عن رأيه! يعني باختصار حضراتكم اللي بتقروا البوست ده ايا كان توجهكم السياسي سواء كنتم سيسي فانز او فلول او ثوار او اخوان او متعاطفين مع اخوان الخ وأيا كان هدفكم من المسيرة: اعتراض على أداء الحكومة، اعتراض على مواد الدستور زي ما عملنا السنة اللي فاتت من غير تصريح، حضراتك سيتم تطبيق مواد هذا القانون عليكم! يعني من الآخر مشروع قانون عشان حالة آنية بيفكرنا بالقوانين المسلوقة المشبوهة على غرار قانون العزل السياسي اللي اتعمل السنة اللي فاتت عشان عمر سليمان يخرج بره سباق الرياسة! مشروع قانون تنظيم التظاهر الجديد لا يبني لدولة ديمقراطية حديثة واللي بننادي بيها بقالنا سنين، بل يكرس لنفس الدولة البوليسية القمعية التي قامت ثورتان لاسقاطها!

ملحوظة بقى عالماشي كده: لولا مظاهرات 30 يونيو اللي كانت من غير اخطار وتصريح وخلافه ماكناش عرفنا نعمل اي حاجة مع الاخوان! يعني باختصار لو حضرتك كان المفروض ناخد تصريح بالتظاهر ما كانش حاينفع تنطق ولاتقول بم ضد الاخوان او ضد اي سلطة مش عاجبانا! سؤالي التاني بقى ازاي الحكومة الغبية دي بتعيد نفس أخطاء الاخوان وتفكر بالمنطق المعوج ده وكأنها حاتفضل في الحكم طول عمرها! السؤال بقى مين اللي بيحكم؟ ومين اللي متحكم؟ ومين اللي بيطلع بالأفكار اللولبية بتاعة القوانين الجبارة دي؟

وأخيرا: هل الحكومة أخدت بالها ان الأسلوب ده هو نفسه اللي كان بيتبعه الاخوان وهم في الحكم؟ يعني بينسوا انه وارد جدا انهم ما يبقوش في السلطة وان القوانين اللي طلعوها عشان يطلعوا عين فصيل معين ستطبق عليهم يوما ما! ولنا في الاخوان عبرة!

هو بس لو اللي في السلطة ياخدوا بالهم من حقيقتين ان أولا: هم ليسوا مخلدين وثانيا: ان الأرض كروية وبتدور حول نفسها! والله كانت حاجات كتير جدا حاتتغير! بس نقول ايه بقى!
 Common sense is not common anymore
#عبث #غباء #مصر_حلوة_والصين_كمان

للاطلاع على نص القانون http://www.egypt1.info/egyptblog/?p=2446

Sunday, October 6, 2013

ابن موت - عن الشهيد ملازم طيار محمد ابراهيم زبير نصر


محمد ابراهيم زبير نصر. ولد يوم 6 مارس 1951. الابن الثاني في الترتيب لخالتي وزوجها بعد أخته، فاتن، التي تكبره بعام واحد. "قمر وعينيه خضرا متكحلة" على حد وصف سيدات الأسرة. دمه خفيف وفي منتهى الذكاء! حرّيف كرة قدم! كان فرود (بكسر الفاء وتسكين الراء وكسر الراء) أي مهاجم فريق المعمورة البلد لكرة القدم!

!

محمد نصر حايلعب النهارده" يرددها شباب مناطق أبي قير والمنتزه والمعمورة والعزب المتاخمة لها، ليتجمع المئات ليشاهدوا ذلك اللاعب صاحب المهارات الاستثنائية في كرة القدم. تقول أمي: "الملعب كان بيتملي على آخره عشان خاطر يشوفوه وهو بيلعب. كان حريف أوي وكان غاوي يجيب اجوان باكوورد زي الخطيب.. وأحسن كمان!"

اسكندرية لمن لا يعلم بها منطقتان تسمى المعمورة، واحدة يطلق عليها المعمورة البلاج أو شاطئ المعمورة السياحي قبلة المصيفين في إسكندرية زمان، يليها على طريق ابي قير المعمورة البلد التي كان يقع فيها مزارع الخاصة الملكية وأحد قصور الأسرة المالكة والتي تحولت الآن لمبنى كلية الدفاع الجوي. بني بهذه المنطقة منزل كبير لموظفي الخاصة الملكية، والذي كان زوج خالتي أحدهم، في تلك المنطقة النائية والتي تعتبر ضاحية من ضواحي شرق الاسكندرية. ولد محمد هناك وكانت تمتد امام المنزل المزارع والحقول، والتي كان يدخن فيها محمد وأصدقاؤه السجائر خلسة وهم في سن المراهقة وكانت هذه مشكلته الوحيدة مع أمه. يجاور تلك المزارع و"الغيطان" كما يطلق عليها سكان المنطقة ملعب كرة قدم شهد طفولته وصباه، كما شهد صولاته وجولاته في كرة القدم. هذا الملعب شهد بعد ذلك طفولة وصبا كل أولاد خالتي وأخي بل وأبنائهم حتى يومنا هذا.

محمد كان متواضع جدا ولم يكن يهتم بالمظاهر! فعندما كان يزور بيت جدتي في منطقة مصطفى كامل بشارع أبي قير،  قبل  أن ينتقلوا لسيدي جابر الشيخ، لم يكن يلعب مع أبناء الجيران من نفس الشارع، بل كان يتوجه مباشرة للعب مع أبناء شارع السمان، وهو شارع خلفي متفرع من شارع أبي قير وسكانه بسطاء نسبيا عن سكان الشارع العمومي، وحينما كان يتساءل اخوته لماذا تلعب مع هؤلاء وهم دونك في المستوى؟ كان يرد: هما دول اللي بيعرفوا يلعبوا كورة! كل اللي بتلعبوا معاهم دول ما بيفهموش في الكورة! واذا تصادف وقابل السيدة التي كانت تساعد أمي في أعمال المنزل وحياها بحرارة وسأله أصدقاؤه عمن تكون يقول لهم: دي قريبتنا!

تتذكر أخته فاتن: "ما كانش بيحب المذاكرة، وكان تاعب ماما اوي، لكن بالرغم من كده كان ذكي جدا، لكنه جاب مجموع ضعيف في الثانوية العامة". لم يؤهله هذا المجموع لدخول كلية نظرية او عملية، فقدم أوراقه للكلية الجوية. "كنا فاكرين انه مش حايتقبل في الطيران، عشان كنا نسمع ان اصحاب العينين الملونة نظرهم ضعيف": تتذكر أمي.  لكن محمد.. محمد ابو عيون خضرا كان نتيجة الكشف الطبي على نظره: 6 على 6 حاد قوي. "سبحانك يا رب.. عشان عمره".  تحدث أمي نفسها.

عندما رجع من اختبارات الكلية الجوية، حكى للعيلة ان ضابط من اللي قابلوه كان بيختبر رباطة جأشة وقوة أعصابه وشخصيته. سأله: انت من المعمورة؟ رد محمد وقاله آه! سأله الضابط: المعمورة بتاعة الناس الفافي؟ قاله: لأ! المعمورة البلد! لم يتوقف الضابط عند هذا الحد! بل أكمل: والدك اسمه ابراهيم؟ قاله أيوة! قاله طب ووالدتك؟ رد عليه بكل ثقة وبابتسامة: اسمها فاطمة وبيدلعوها يقولولها يا طعمة! أعتقد ان الضابط في تلك اللحظة تأكد ان هذا الشخص لا تهتز أعصابه بسهولة.

كانت تربطه بأمي صداقة قوية، فقد كانت تكبره بحوالي ثلاثة عشر عاما. وعندما كانت طالبة في كلية الحقوق بجامعة الاسكندرية، كانت تصحبه معها في الرحلات التي تنظمها الكلية. فقد كانت أمي تشعر أن جدتي تفضل أخته الكبرى عليه، لذلك حرصت أمي على أن تعوضه عن هذا الشعور.  كان عمر محمد وقتها خمس او ست سنوات. تقول أمي: زمايلي كانوا بيحبوه أوي! وهو كان بيحب يدندن أغاني عبد الحليم، فكنا لما بنطلع رحلة، يطلب منه زمايلي ان يغني "بتلوموني ليه" عشان كان مش بيعرف ينطق الحروف كويس، وبدل ما يقول "وهو شبابي وهو صحابي وهو قرايبي وكل حبايبي " يقول "وهو ثبابي وهو ثحابي".  تكمل أمي والتي يناديها الجميع بإسم "تيتي" بدلا من فتحية، والذي سميت به على اسم شقيقة الملك فاروق ككثير من بنات جيلها: "لما كبر شوية، وكان عنده حوالي عشر او 11 سنة، كان بيحب يغنيلي ست الحبايب يا حبيبة، بس يغير الكلمات عشان تبقى: "ياااااا راااب يخلييييكيييي يا تيتي.. يا ست الحبااايب".

كان من الطيارين المتميزين المشهود لهم بالكفاءة، طيار مقاتل. وكان قائد سرب في سن الواحد والعشرين، سافر ليبيا في زيارة عمل، ورجع محملا بالهدايا لكل العائلة، ولم ينس أحدا! وبالرغم من ماضي جدتي معه، إلا أنها استأثرت بنصيب الأسد من هداياه.

كان من عادة محمد أن يواعد زملاءه في سيدي جابر عند بيت جدتي الجديد والذي انتقلت اليه الأسرة في أوائل الستينيات، قبل سفره للقاعدة الجوية قرب الاسماعيلية. في كل أجازة كان يعود فيها، كان يخبر أمي أن أحد أصدقاءه والذين كانوا ينتظرونه للعودة والسفر معه للقاعدة استشهد. تقول أمي ان معظم زملاء محمد ودفعته قتلوا أثناء التدريب.  كانوا جميعا "شباب زي القمر" على حد قولها. وتستكمل "كأنهم بينقوهم على الفرازة عشان يموتوا". حتى قائده المباشر أحمد عامر، الذي أتى لتقديم واجب العزاء لأسرتنا، والذي رجته أمي على انفراد أن يخبرها بحقيقة مقتل محمد وهل احترقت طائرته أم لا، وأكد لها أن هذا لم يحدث، سقط شهيدا في حرب أكتوبر. علمنا هذا بالصدفة حيث أن أخاه كان يأتي لصيانة التليفزيون في منزلنا ولم نكن نعلم أنه شقيقه! وعندما دخل المنزل وجد صورة محمد أمامه، فسأل جدتي: مش دي صورة الشهيد محمد نصر؟ يقربلكم ايه؟ قالت له جدتي: ده حفيدي. قال لها انا أخو قائده أحمد عامر وأخبرها بخبر استشهاده وبأنه ترك زوجة صغيرة وطفلا رضيعا لم يتجاوز العامين!

كان محمد كثيرا ما يقول لأمي أنه لن يتزوج، لأنه يعلم أنه كطيار مقاتل عمره قصير، وهو لا يريد أن يترك وراءه أرملة أو طفل. محمد اعتقد وقتها ان تلك الأرملة وهذا الطفل هما فقط من سيشعران بفقده! لم يكن يعلم، أن كل من عرفه شعر بمرارة الفقد، ولم يكن يعلم أن تلك الطفلة التي كانت في ظهر الغيب وقت ان كان هو ملء السمع والبصر ستفتقده. الطفلة التي ولدت بعد رحيله بعامين والتي لم تتوقف ابدا عن تخيله: صوته، طريقته وهو يتكلم، ضحكته، حنانه وحبه لأسرته والعلاقة التي كانت تربطه بأسرتها، رفقه وبره بوالديه، ذكائه، تميزه في عمله، بطولته. لم يكن يعلم أنها ستحبه دون أن تعرفه، لم يكن يعلم أنه سيظل بالنسبة لها أخ أكبر، لكنها كانت على يقين أنها كانت ستربطها به علاقة خاصة جدا تجعلها تستعين به كمعلم ومثل أعلى لو كان مقدرا له أن يعيش فترة أطول.

المرة الأخيرة التي زار فيها بيت جدتي، وبعد أن ودع الجميع، وقف لثواني يتأمل المنزل ووجوههم، كأنه يتفقدهم للمرة الأخيرة، ثم تركهم وذهب. لم تفهم أمي سر تلك النظرة إلا عند استقبال خبر استشهاده، قالت: "كان قلبه حاسس... كان بيودعنا"

الطائرة التي كان يحلق بها محمد كانت احدى الطائرات التي سلمتها بولندا لمصر ضمن صفقة أسلحة رديئة الصنع، هكذا علمنا فيما بعد، أفقدت مصر محمدا وزملاءه الواحدا تلو الآخر! انفصل جناحا الطائرة اثناء تحليقه بها، وسقطت في إنشاص بالقرب من الاسماعيلية. كان اليوم أربعاء، 19 يوليو 1972. سقط محمد شهيدا حوالي الساعة 7 مساءا، دفن يوم الخميس 20 يوليو في مقابر الشهداء في القاهرة بدون علم أسرته، ثم أبلغوهم يوم الجمعة 21 يوليو، تقريبا وقت صلاة الجمعة. "على الضهر كده لقوا عربية جيش وفيها القائد بتاع محمد وبلغوا مامته وباباه." تتذكر أمي وهي تدمع ثم تضيف في مرارة: "كل ولادنا دول؟ كل دول يضيعوا مننا والسادات يروح يصالح اسرائيل؟"

ابن موت! قالها الجميع يوم عزائه! ذكاؤه ووسامته وتميزه وتفرده جعلوه ينال هذا اللقب عن جدارة. هذا اللقب الذي اخترعه المصريون بعبقريتهم واحساسهم العميق واحترامهم لهيبة الموت، ليصفوا به من مات صغيرا وكأنه في الأساس لا ينتمي لتلك الحياة، بل هو ابن للموت، جاء معارا للحياة في رحلة قصيرة لا تطول، لأنه يجب أن يعود لعالمه الذي ينتمي اليه!

تحكي أمي أن طنط خديجة ابنة خالها لم تتوقف أثناء العزاء عن البكاء والصراخ بكلمة واحدة: يا خسارة... يا خسارة. أما ابنها صلاح والذي كان في سن محمد وأقرب أصدقائه ورفيقه في لعب الكرة، والذي انتقل للحياة في السودان في أوائل السبعينيات، عندما علم بخبر استشهاده، خرج يجري في شوارع الخرطوم لا يلوي على شيء مناديا على محمد. لم يكن أخاه، سامي، الذي يليه في الترتيب والذي يصغره بعام واحد فقط موجودا وقت وفاته، فقد كان في اليونان يقضي أجازة الصيف هناك كحال كثير من الشباب في ذلك الوقت. رجع في شهر نوفمبر من نفس العام لكي يلحق بالدراسة، وصل ميناء الاسكندرية، ووجد والده وعمه في انتظاره، لم يرد والده ان يرجع على بيت الأسرة مباشرة، فعاد به على بيت جدتي في سيدي جابر وأخبره هناك. حضرت أمي ذلك الموقف. لم يبك "أبيه" سامي، كما أناديه بل صمت وأخذ يردد: الحمد لله، الحمد لله!  بعد هذا اليوم بسنوات عدة، أهدى أبيه سامي رسالة الدكتوراه الخاصة لروح شقيقه محمد.

محمد استشهد قبل مجيئي للحياة بعامين. لكنني أذكر كل التفاصيل الصغيرة التي كان يرويها لي أفراد أسرتي. تحكي لي خالتي في لحظة صفا أنها أثناء عزاء محمد كانت واعية لكل ما يحدث حولها لكنها كانت تنظر لوالديها ووالدي زوجها في ذهول وتتساءل أن لماذا يا رب أخذت مني ابني وتركت هؤلاء؟ هم في نظرها كبار في السن لا يحتاجون المزيد من السنوات كما يحتاجها هو! كانت تخجل من مجرد التفكير في هذا السؤال! ففي النهاية هؤلاء اقرب الناس اليها، ابوها وأمها ووالدا زوجها. لكنها كما قالت لي حينذاك: "انا من يوم ما محمد ابني مات وانا ما زعلتش على حد بعده! زعلت شوية لما ابويا وأمي وجوزي ماتوا بس مش زي محمد"... ثم تسرح بعينيها وتقول: "أي حد الا الضنا".

اذا حدث وكنا نشاهد سويا مسلسلا او فيلما به لقطه لأسرة تستقبل خبر استشهاد أحد أفرادها، تتذكر خالتي وتبكي بكاءا مرا! بكاءا يجعلني أشعر بالعجز التام حيث أنني أعلم ان أي كلمة سأقولها ستكون بلا طائل ولن تهدئ من روعها او ترجع ما فقدته!  تشير لي ابنة خالتي خلسة بأن أغير القناة، أو أن أفتح موضوعا ما لتلطيف الجو. لكن لا تفلح تلك الحيل...


أتذكر حكاية جدتي لي، بعد سنوات من استشهاد محمد، أن أخي ياسر والذي يكبرني بست سنوات، عندما كان يسمع اقتراب صوت طائرة تحلق فوق المنزل، كان يخرج للشرفة ويشير بفرحة للطائرة وينادي بأعلى صوت: محماااااااد، باي باي يا محمااااد. وكأن كل الطيارين بالنسبة له اسمهم محمد، وكأنهم كلهم سيسمعوه وهو يحييهم من شرفة منزلنا وكأن ياسر على يقين أن محمد ما زال حيا يرزق بيننا، يحلق فوقنا ويتفقد أحوالنا كما فعل في آخر مرة زار فيها منزلنا.

محمد، بلا شك، تركنا لعالم أفضل! رحل وترك لنا سيرة ومسيرة. مسيرة قصيرة نسبيا، وسيرة مكثفة مليئة بالتفاصيل. فلم يكن أحد يصدق أن محمد رحل عنا وهو ابن 21 عاما. أعلم يقينا أنه عاش أكثر من تلك الأعوام! لكنه جعلني أتساءل: هل كان يعلم ان مسيرته ستكون قصيرة في تلك الحياة، فقرر أن يعوض هذا بتكثيف تجاربه و ومشاعره وما حققه؟
حياته كانت ملأى بالتفاصيل الصغيرة التي تشعرك ان الشهيد ليس فقط من أتى بتضحيات وانتصارات عظيمة، بل هو ابن وأخ وحفيد وابن اخت وابن خالة وصديق ورفيق ولاعب كرة يمتع المئات بمهاراته وطيار مقاتل كان يحلم بتحرير أرضه مع زملائه الذين استشهدوا مثله. رحل عنا، ترك لنا تلك المرارة، مرارة الفقد، مرارة الشعور بأن استشهاده ذهب هباءا بعد السلام الذي كان.

لم تكن الحرب بالنسبة لي هي تلك المشاهد المسجلة التي قام الجيش بتصويرها بعد اندلاع الحرب، والتي نراها في الأفلام ويعرضها التليفزيون احتفالا بذكرى حرب أكتوبر! ليست الحرب بالنسبة لي ما قرأته عنها في كتب التاريخ ولا ما أسمعه من المؤرخين والأبطال الذين خاضوها. الحرب حاضرة في بيتنا مع كل لفتة نرى فيها صورة الملازم محمد ابراهيم زبير نصر متصدرة كل بيوت العائلة بزيه العسكري وابتسامته الرقيقة الهادئة وعينيه الجميلتين. ننظر لها مليا لنتأكد من حقيقة واحدة فقط، أنه كان بالفعل ابن موت.
.

 

مشيرة صالح

السادس من أكتوبر 2013

مهداة لروح ابن خالتي الشهيد ملازم طيار محمد نصر.


Saturday, September 28, 2013

عن ضيق المكان والزمان


تلك العلاقة الملتبسة بين الإسكندرانية وإسكندريتهم: أفق واسع رحب رحابة البحر، نسمة بحرية رقيقة تداعب وجهك، مساحات ضيقة خانقة تحكم قبضتها على أنفاسهم. الفرص الضائعة، مواهب استثنائية أصيلة، تعاند وتقاوم الكسل الذي يحجمها لكن يبقى لديها هذا البريق! بريق قد لا تتمتع به مثيلاتها في العاصمة مدينة الضوضاء.  مواهب تومض ومضات خاطفة تلفت لها الأنظار. قد يستمر الوميض ويشتد وقد يخبو للأبد. وأخيرا تلك الشوفينية التي تثير حنق أبناء المدن الأخرى، لظنهم الخاطئ أننا نعوض نقصا ما لدينا.... يا الهي! اغفر لهم فإنهم لا يعلمون #الاسكندرية


مشيرة صالح

في القاهرة مدينة الضوضاء


Friday, September 27, 2013

أحزان سبتمبرية

حالة تنتابني في مثل هذا الوقت، سبتمبر من كل عام: نهاية الصيف، "روايح" الخريف، الغيوم، النسمة البحرية التي بدأت تتخلص من ثقل الرطوبة لتستقبل برد الخريف المحبب الى النفس. مشاعر متضاربة متناقضة، يجمعها حزن ما، شجن ما، حنين لزمن مضى، لذكريات قد لا تعود، لأيام ارغب بشدة في استعادتها، في أن أعيشها مرة أخرى. حنين لمشيرة كانت، توق لبراءة تفتحت عيناها على حقائق الحياة بمرور الأيام والتجارب.

 

 بالنسبة لي يمثل سبتمبر شجنا عذبا احن اليه وافتقده، ولكنني اعلم يقينا انني سأقابله في نفس الوقت من كل عام! منذ طفولتي وانا اعشق المدرسة وما زلت، ربما لأنها المكان الذي كنت اشعر فيه بالتقدير وبتحقيق ذاتي منذ نعومة أظافري، ربما لأنني ادمن تلقي العلم لأسباب أجهلها تماما، ربما لأنني افضل دائما ان انتمي لمجموعة اكبر افخر بها واستمد ثقتي بنفسي منها! وسبتمبر يمثل نقطة الذروة، فهو في مصر شهر "دخول المدارس"، أما بالنسبة لي فهو كرنفال سنوي، امارس فيه طقوسا مقدسة يتصدر مشهدها الزي المدرسي والحذاء الجديد و الكتب المدرسية بكل عذريتها وجدتها

 

هل من المعقول ان اتمنى ان اعيش تلك الأيام التي كانت، أن اعيشها كمشيرة ابنة السبعة وثلاثين عاما؟ مستحيل! هل استطيع ان اعيش تلك الأيام التي كانت لكن بجنوني او بنضجي الحاليين؟ هل انا ما زلت انا ام أنني يتم استبدالي بمشيرة أخرى؟

 

اجد نفسي في بعض الأوقات احن للماضي، وفي اوقات اخرى اجد نفسي راضية تماما عما انا فيه. لكن قلبي مثقل... هو ليس مثقلا بالهموم ولكنه مثقل بعذوبة هذا الشجن. أتراني أستعذب العذاب؟ هل هي حالة من المازوكية؟ أم أننا في بعض الأحيان نحاول ان نتخلص من ذنوبنا فنمارس على أنفسنا بعض السادية لكي نتطهر؟

 

المدهش أن هذه الحالة لا تتغير بمرور السنين! ثابتة بثبات شهر سبتمبر واحتلاله للترتيب التاسع في نتيجة الحائط من كل عام! أعلم أنني سوف أشعر بكل هذا الشجن والحنين والعذوبة بعد عام من الآن.

 

يأيها الحنين ويأيها الشجن، برغم الألم، انتظركما بفارغ الصبر في سبتمبر من العام القادم

 

مشيرة صالح

الاسكندرية

في الواحد والعشرين من سبتمبر 2011

في تمام الساعة السادسة الا ربع مساءا



Sunday, September 22, 2013

الخاطرة الثالثة في أرض الحر وموطن الشجاع: الشعب فوق الجميع



"هي مدينة صغيرة عدد سكانها 600 الف نسمة، بها 13 جامعة! صممت خصيصا لتكون عاصمة لاتحاد الولايات الفيدرالي! كل مبنى في المدينة تم تصميمه وبناؤه بطريقة هندسية معينة لتؤكد على قيمة أراد الآباء المؤسسون أن تكون واضحة أمام أعين الأمريكيين!" كان هذا ما حدثنا به مرشدنا السياحي "إسكندر" أثناء جولتنا في واشنطن في مارس 2013 في إطار برنامج تبادل وتدريب مع وزارة الخارجية الأمريكية "المرأة كقيادة سياسية" في وفد مكون من 11 سيدة وفتاة من العراق والمغرب وتونس والأردن والسودان ومصر وقطر. مرشدنا كان يتحدث العربية الفصحى بطلاقة، حيث أنه مدرس لغة عربية في جامعة بواشنطن وأمريكي مسلم.

أخبرنا اسكندر أن مبنى الكونجرس هو أعلى مبنى في المدينة ارتفاعا لأنه يمثل الشعب، والشعب فوق الجميع! حتى البيت الأبيض أقل في الارتفاع من مبنى الكونجرس! هناك تمثال على أعلى نقطة على مبنى الكونجرس. هذا التمثال هو تمثال الحرية الذي يرحب بزائري نيويورك على الساحل الشرقي ! ويرمز التمثال إلى سيدة تحررت من قيود الاستبداد-التي ألقيت عند إحدي قدميها. تمسك هذه السيدة في يدها اليمني مشعلا يرمز إلي الحرية، بينما تحمل في يدها اليسري كتابا نقش عليه بأحرف رومانية جملة "4 يوليو 1776"، وهو تاريخ إعلان الاستقلال الأمريكي، أما علي رأسها فهي ترتدي تاجا مكونا من 7 أسنة تمثل أشعة ترمز إلى البحار السبع أو القارات السبع الموجودة في العالم. (المصدر ويكيبديا الموسوعة الحرة). لماذا امرأة؟ لأن الكونجرس وقتها كان أعضاؤه جميعهم من الرجال فقط، لذلك وجب وجود امرأة تخلق توازنا في هذا المبنى!

تمثال الحرية فوق الكونجرس ينظر للشرق دائما! لماذا الشرق؟ لأن الشمس تشرق من الشرق وهي مصدر الحقيقة! مبنى التحقيقات الفيدرالية يتواجد في نفس الشارع الذي تقع فيه وزارة العدل، لكن كل منهما يواجه الآخر، كأن الطرفان يراقبان أحدهما الآخر!

 ملاحظتي هنا: كيف يمكن لشعب ما، أن تأتي له فرصة عبقرية لكي يبدأ عالما جديدا بكل تفاصيله يحاول ان يتفادى فيه كل سلبيات العالم الذي عاش فيه مسبقا؟ هو يحاول ان يخلق صورة أجمل كان يحلم بها في مخيلته لهذا العالم الجديد، للدرجة التي يريد أن يتأكد فيها من أن الشمس تشرق لتمثال الحرية التي تقف فوق مبنى الكونجرس لكي تسبغ من اتزانها وعقلانيتها وعواطفها وحرصها على تحقيق العدالة على الرجال المجتمعين تحت قبة الكونجرس ويمثلون الشعب!

لا أعلم لماذا ذكرني هذا بأمرين: الأول الفرص التي يخلقها الشعب المصري لنفسه وبانجازه المرة تلو المرة، لكنه لا ينجح في تغيير الأمور جذريا كما قام الآباء المؤسسون في الولايات المتحدة الأمريكية! قمنا بثورة شعبيتين عظيمتين في غضون عامين، 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وفي كل مرة، للأسف، يكون التغيير الجذري معركة شرسة نخوضها، قد تكون أشرس من فعل الثورة ذاته! كأننا نريد تحقيق أهداف ثورتنا على استحياء، أو كأننا نقوم بفعل نخجل منه! كأننا لا نستحق الحرية والعدالة والمساواة ودولة القانون! كيف لنا أثناء سعينا لتحقيق أهدافنا، أن نخجل بالرغم من الثمن الباهظ الذي دفعناه مقدما للحصول على حريتنا!

الأمر الثاني الذي تذكرته أثناء شرح اسكندر لنا، عظمة المصري القديم والتي تجلت في بناء أهراماته ومعابده، وكيف كان يبني تلك المباني الخالدة وهو متأثر بعقيدته التي تؤمن بالبعث والخلود وتقدس إلها واحدا خالقا لهذا الكون! كأنه تأتي فترات في تاريخ الشعوب، يتجلى فيها ابتكار الإنسان ورغبته في إظهار أفضل ما عنده فيخلّد؟ ملوك الفراعنة كانوا مهووسين بفكرة الخلود واستخدموا لتحقيق ذلك عشرات الألوف من البشر لبناء مقابرهم التي أبهرت العالم لآلاف السنين، وتحقق لهم الخلود! تركوا لنا صروحا خالدة تشهد على عظمتهم، تركوها إرثا لنا، نحن المصريين، أبنائهم وأحفادهم، نتحدث عنها حتى الآن ونفاخر بها الأمم.

أما الآباء المؤسسون في أمريكا ومن جاء بعدهم، حرصوا على أن يتخلصوا، بل أن يتطهروا، من مساوئ العبودية، وحرصوا على أن يتخلصوا من كل ما واجهوه من سلبيات في بلادهم قبل أن يهاجروا منها إلى العالم الجديد! تركوا لأبنائهم وأحفادهم دستورا عظيما وديمقراطية حقيقية يمارسها الأبناء حتى الآن! لا أّدّعي هنا أن الأمريكان أفضل! لكن أليس هذا العالم يستحق منا دائما أن نظهر أفضل ما فينا، حتى إذا ما رحلنا عنه، بقى منا أثر ما يجعل الأجيال التي تأتي بعدنا تفخر بنا، بل وتشعر أننا كنا بحق، الآباء المؤسسون لوطنهم؟

مشيرة صالح 
كتبتها في 4 مارس 2013 ثم قمت بتحديثها في22 سبتمبر 2013