Sunday, January 19, 2014

أوراق مبعثرة

محاضر اجتماعات حزبية يعود تاريخها لما قبل 2011 
خطاب قديم من شركة يونيليفر يعلمني بالزيادة السنوية لمرتبي
روشتات علاجي من كسر قديم بالقدم
ايصالات شراء ماكياج من محل وجوه 
ايصال الاشتراك السنوي بجمعية المرشدات
 كتالوج موبايل اتش تي سي
ايصالات ايجار شقة كنت قد استأجرتها بالقاهرة وكانت تقع خلف الكلية الحربية
ايصال شراء بقالة من سوبر ماركت تحت بناية كنت أقطنها خلف نادي هليوبوليس. أتذكر انني كنت احوم حول تلك البناية وقت اشتباكات مذبحة الاتحادية وكأنني استمد منها شعورا ما بالأمان.
سيرة ذاتية قديمة، عبارة عن صفحتين فقط –حاليا أقوم بضغطها بالكاد في خمس صفحات لكي تبدو أكثر مهنية.

أوراق مبعثرة... طالتها عملية فرز لأرفف مكتبتي منذ قليل! صاحبتها حالة مألوفة لدي من الفلاش باك والنوستالجيا. أرجعتني حوالي ثمان سنوات للوراء، وجدت معها مجموعة كتب قيّمة كنت أدخرها للقراءة في وقت لاحق ولم اجد الوقت الكاف لها عبر تلك السنوات!

وكأنني كنت أقلب في أوراق شخص آخر غريب عني! سؤال ملح دار في عقلي: "إزاي في السنين دي قدرت انتقل من مكان لمكان ومن بلد لبلد ومن شخصية لشخصية كده؟ ده حتى نوعية الكتب اختلفت!" من روايات عاطفية ودواوين شعر لسير ذاتية لشخصيات سياسية عالمية وتجارب تحول ديمقراطي..

مرة أخرى أتصفح اوراقي وانا على اعتاب مرحلة أخرى جديدة ومختلفة ... تأكد لي بعد هذه الجولة الصباحية في تلابيب الذاكرة، أنني دائمة الترحال، لا منتمية، على أهبة الاستعداد للسفر، مواطنة "عالمية" على حد تعبير صديقة لي، أرغب في التغيير بشكل دائم، أعد حقائبي في نفس سهولة استخدامي لريموت كنترول التليفزيون، بدون أي مجهود يذكر.

لا أعرف كيف ومتى أصبحت هكذا... فأنا ابنة بارّة للطبقة الوسطى المحافظة بكل ما تحمله من قيم ثابتة وسلوكيات تميل للاستقرار وعدم الميل للتغيير بسهولة... قيم ترسخت عبر سنوات الستينيات التي يفتخر أبي وأمي بالانتماء اليها.  أعلم أنني بالنسبة اليهما الطفل المختلف الذي يسبب لهما أرقا دائما برفضه للمألوف. أرفض بشكل تلقائي الدور المكتوب لي ولكل فتاة من جيلي ومن أجيال سابقة اعتادت على توارثه عبر الأزمان... رفضته أنا، ليس عن شجاعة ولكن لأن الظروف اضطرتني لرفضه ليس الا. وليس في هذا أي ادعاء زائف للبطولة.

أبدأ في مطلع الشهر القادم مرحلة جديدة لاكتشاف نفسي، دراسة جديدة سأبدأها في مجال جديد اكتشفت ميلي اليه خلال السنوات الماضية، لا أعلم ان كنت سأنجح ام لا، لكنني اعتدت على التجريب، لن يضيرني شيء! لا أخفي عليكم، لم اعتد الفشل قط. الفشل. تلك الكلمة التي لم نكن نجرؤ على النطق بها وقت أن كنا تلميذات صغيرات في تلك المدرسة الفرنسية ذات التربية الكاثوليكية الصارمة التي لم تكن تقبل عن النجاح والتفوق بديلا، تلك التربية التي جعلتني في حالة دائمة من الشعور بالذنب... والتي شكلت وجداني وعقلي والتي جعلتني ما انا عليه الآن.  

شعور ملح انتابني فجأة جعلني اترك لوحة المفاتيح وأنهي ما أكتبه ولو بدا غير مكتمل ، لكي أستكمل البحث في أوراقي المبعثرة في أرجاء الغرفة. أحتاج لتلك الشحنة التي تبعثها تلك الأوراق وتلك الذكريات. أحتاج لتلك الشحنة لكي أستعين بها لمواجهة ما هو آت...

مشيرة صالح
سيدي جابر، الاسكندرية

19 يناير 2014 

Tuesday, January 7, 2014

دي الحيطة المتينة

في مفارقة نادرا ما تحدث نظرا لذكائي المتقد وألمعيتي المبهرة ولأني دايما بافهمها وهي طايرة، تبين لي انني فهمت بعض كلمات اغنية المطربة عفاف راضي "ياللا بينا" بصورة خاطئة. الأغنية من كلاسيكيات أغاني الأطفال ويقول مطلعها: ياللا بينا ياللا ياللا ياللا ياللا بينا. دي الشموسة طلّة طلّة وبتنده علينا.


 في كوبليه من الكوبليهات تخاطب فيه عفاف ابنها وتقول له:
علشان انت هادي انا حاخدك للنادي

ننزل حمام السباحة نعوم زي السفينة

وحانركب مراجيح تعلى في قلب الريح

ياللا يا روحي اركب ما تخافشي 

دي الحبال متينة! 

اثناء طفولتي كان والدي يدللني كثيرا! كان يعلم انني احب المراجيح جدا! ولم اكن مشتركة في نادي كي استطيع ان امارس لعبتي المفضلة. يا دوبك كنت اذهب لقصر ثقافة سيدي جابر حيث كان به بعض الألعاب البسيطة، وأحيانا كنت اذهب مع اصدقائنا المشتركين في نادي سموحة لكي نشاركهم اللعب هناك. وكنت مدمنة مراجيح!

وفي صباح يوم تاريخي، قرر والدي ان يقوم بتركيب مرجيحة لي في المنزل! لم أصدق ان حلمي يمكن ان يتحقق! وقرر أبي في حركة جدعنة وحب شديد لي ان يثبت لي مرجيحة ليس في فراندة جدتي ولا في بلكونتنا، لكن في قلب المنزل ذاته! في حلق باب غرفة المعيشة! قام بتركيب مسمارين كبار، وثبت فيهما حبال مناسبة، ثم قام باحضار قطعة خشب مستطيلة اقصر قليلا من عرض حلق الباب، بما يسهل حركتها، تلك الخشبة ستكون بمثابة كرسي المرجية الذي سأجلس عليه، ثم قام بعمل ثقوب في الأركان الأربعة لتلك الخشبة المستطيلة لكي نثبت فيها الحبال! كانت الحبال متينة بالفعل!

لعبت كثيرا على تلك المرجيحة! كنت طفلة يرضيها اي شيء! وكانت مرجيحتي بالاضافة لمجلة ماجد والغاز المغامرين الخمسة هي قمة متعتي! ما زلت اتذكر تلك الفرحة العارمة عندما دشننا تلك المرجيحة والتي لا تضاهيها الا فرحتي بالعدد الجديد لمجلة ماجد او لغز من الغاز المغامرين الخمسة والذين اعتاد ابي على شرائهم لي كل اسبوع بما لا يعطلني عن المذاكرة.  

لم أعلم الى الآن لماذا وكيف كنت أغني تلك الأغنية بكلمات مختلفة تماما. كنت عندما أدندنها، أغنيها بدقة متناهية ما عدا في مقطع: ياللا يا روحي اركب ما تخافش دي الحبال متينة! كنت أغنيها انا كالتالي: ياللا يا روحي اركب ما تخافش دي الحيطة المتينة! كنت، وما زلت، مقتنعة تماما بأنها تقصد الحيطة المتينة التي كان والدي يثبت فيها المرجيحة!

كلمات الأغنية هنا تدلل على قوة ومتانة المرجيحة وعدلم قابليتها للسقوط، كما كان والدي يثبت مرجيحة متينة لا تسبب لي اي ضرر جسدي من جراء السقوط او "الانقلاب"، فتصورت بالطبع انها تصف الحيطة وليست الحبال بأنها متينة...

لم اكتشف هذه المفارقة الا منذ عدة ايام عندما سمعني صديق لي ادندن الأغنية وفوجئ بكلماتي التي استبدلت بها كلمات اإتية الأصلية! بالطبع كنت مادة للضحك، ولم استطع اقناعه بسبب غنائي لها بهذه الطريقة! ولم اكتشف السبب الا عندما عدت للمنزل في الاسكندرية. 

الغريب انني لم أتذكر كل تلك التفاصيل الا الآن بالرغم من أننا لم نحتفظ بأي صورة لتلك المرجيحة او لنا ونحن نلعب عليها! وكأن تلك التفاصيل والمنمنمات، حفظت في مكان أمين منذ عشرات السنين، درج مسحور، أغلق عليها، ولم أكتشفه الا الآن لكي تتداعى الصور الواحدة تلو الأخرى، أستحضر فيها تلك اللحظات لكي تذكرني بطفولة هنيئة كان يرضيها أقل القليل... حتى ولو كانت مرجيحة مثبتة في باب الغرفة...   

مشيرة صالحالسابع من يناير 2014
   

ربيع 1980

ربيع 1980 
مدرسة جيرار الصغيرة كليوباترا شارع بورسعيد - كنا بنسميها الصغيرة عشان كان في فرع تاني للمدرسة فيه الابتدائي والاعدادي كنا بنسميه جيرار الكبيرة، وكانت في بولكلي
سنة اولى ابتدائي
تاني صف من فوق
تالت واحدة من الشمال
لابسة طوق ابيض على شعري

متحفزة كعادتي. 
البنت اللي واقفة على شمالي وشكلها اجنبي اسمها ميلاني ريشار وكانت صاحبتي. هي بنت فرنساوية قعدت معانا سنة واختفت من حياتنا فجأة كما دخلتها فجأة! المهم انا وهي اتفقنا نقف وقفة متحفزة، "موست بروبابلي" سخافة مش اكتر! طبعا انا أفورت كالعادة وطلعت اوت واتسجلت للتاريخ! 

امي لم تغفر لي قط تلك الصورة حتى الآن! وفاكرة كلامها ليا لما جبتلها الصورة! سألتني ليه تعملي كده؟ ليه ما ضحكتيش زي بقية صحابك! قلتلها ما معناه انا كنت حابة اقف كده واتفقت مع ميلاني على كده وما كانش ينفع ارجع في كلامي معاها، ده غير اني شايفة شكلي حلو جدا ومختلفة عن الباقيين! ملحوظة: واضح ان ميلاني باعتني وما عملتش الوقفة اللي اتفقنا عليها وانا اللي التزمت باتفاقنا... عادتي ولا حاشتريها...