Saturday, March 31, 2018

پاپادوپلوس


بمناسبة العك اللي كان بيعكه شلبوكا في اسامي منتخب
 اليونان الغلابة، كان جنب بيتنا في سيدي جابر الشيخ، في شارع مصطفى باشا، المعروف الان بشارع المشير، كان في بقال اسمه پاپادوپلوس، وكان متعارف عليه باسم بابادوبلو. كان مكان او قرب (مش متأكدة اوي) فطير مشمش او البان سيدي جابر. الاسكندرانية will relate. المهم، كنت انا وجدي بنتمشى لحد عنده بعد العصر كده، لما نكون اتغدينا،ما بين الساعة ٤ و ٥ العصر، عشان يشتريلنا جيلاتي. كان جيلاتي ستيك مكلبظ كده ومستطيل في نفسه وتبينلي بعد سنين انه جيلاتي جروپي. كان عبارة عن عصاية خشب فيها مستطيل كبير كده، من بره طبقة شكولاتة ومن جوه ڤانيليا. كنت بحبه اوي. كانت كل العيلة ياكلوه عادي مباشرة من العصاية بما يشيلوا الورقة الفويل المفضضة اللي بتغطيه وبتخليه كله غموض كده! اما انا فكانوا بيحطهولي في طبق غويط ويقعدوني على ترابيزة السفرة عشان اكل من غير ما اعمل اي خساير. كنت معروفة -ولا زلت- اني باهطل وباوقع الاكل على لبسي وفي المحيط اللي بقعد فيه عموما. والمانجة تشهد. كنت باستربع فوق الترابيزة واحضن الطبق واكل... ياااااه عالطعامة!!! 

كان ياسر اخويا مسئول برضه يروح يشتريه لانه اكبر وكده. بس لما كبرت شوية، بقيت باروح اشتريه بنفسي، لحد ما اندثر واختفى تماما! رحت جروپي مرة بس لقيت الكاساتا. مش عارفة لسه فيه الجيلاتي ده ولا بطلوا يعملوه. كان احلى ايس كريم في التاريخ. ولحد دلوقتي فاكرة طعمه، وفاكرة فرحتي وبهجة اللحظة اللي جدي (بابا سيد الله يرحمه) يقولي يالا يا ميشو البسي عشان ننزل نجيب جيلاتي. كانت لحظة مفيش زيها ولا اي سعادة تساوي سعادة الللحظة دي. الله يرحمك يا پاپادوپلوس ويرحمك يا جدي. 
#شلبوكا_والذكريات

Wednesday, April 29, 2015

الاسكندرية

أصبحت الاسكندرية تبهرني بقدرتها على اصابتي بالملل والاحباط! نعم! لديها قدرة خارقة تتمثل في الاعتيادية.... احساس بعدم الانتماء يحاصرني. لأول مرة منذ زمن أعيش فيها لمدة ثمانية شهور متصلة. اعتقد انني يجب أن أستسلم لحقيقة أنها تغيرت. تماما. عليّ أن أتقبل تلك الحقيقة المرة. أن أستسلم لحقيقة أنها "كانت" مكان الذكريات الحلوة في زمن آخر. يجب أن احتفظ لنفسي وفي نفسي بتلك الذكريات.  يجب أن أفعل شياء ما لأوقف تلك الحالة البائسة من الحنين التي تتلبسني بين الحين والآخر. يجب أن أصبح أقوى وأن أعتاد على أنه ليس من السيء على الاطلاق أن أبدأ ذكريات جديدة في مكان ما.... مكان آخر. أرأيتم؟ الموضوع بسيط.... معقد لكن بسيط

Saturday, April 18, 2015

حساسية مفرطة

اللي فاكر فيلم Analyse This بتاع روبرت دي نيرو وبيلي كريستال، يفتكر ان دي نيرو كان بيلعب دور مافيوزو بس بيتعرض لأزمة نفسية وبقى حساس جدا وبيتذكر دايما حادثة مقتل والده اللي كان حاضر وقت وقوعها وهو طفل، ومن ضمن مشاكله اللي كان بيشتكيها لطبيبه النفسي كريستال، ان حساسيته المفرطة بقت بتسببله احرا شديد خصوصا في مجال شغله. فلو شاف اعلان شركة تأمين على سبيل المثال، تنتابه حالة شديدة من البكاء وحالته تبقى حالة! وهكذا. اهو انا بقى بقيت زي روبرت دي نيرو في السنين الأخيرة. يعني مثلا اشوف اتنين بيحضنوا بعض في المطار، تلاقوني دورت وشي وعيطت. اشوف مشهد في مسلسل او فيلم، ابكي! اقرا خبر انهار! اي حاجة فيها شوية مشاعر زيادة، الاقيني مش عارفة امسك نفسي وابكي. ناهيكم بقى عن الذكريات اللي باموت وافتكرها في اوقات فراغي. غلاسة كده! وطبعا حالة البكاء على اي حاجة بالطريقة دي بقت بتستنزفني جدا، وباحس ان طاقتي بتهدر بشكل مرهق جدا، فرحت في لحظة شجاعة اخدت قرار واعي اني امنع اي مسببات للبكاء والحزن عشان روحي ما بقتش بتستحمل. لكن ده ما يمنعش اني اتعرض من وقت للتاني للحظات كده باتخطف فيها، حين تأخذني الدنيا بغتة، والاقيني مش باعرف امسك نفسي واديها عياط! اقربها امبارح مثلا. كان في صديق عزيز ليا من القاهرة، جاي اسكندرية عشان يحضر عرض حكي عن العنف عاملاه مؤسسة نظرة في ستوديو المدينة، فقلت اروح اضرب عصفورين بحجر، اشوف صديقي وكمان اشوف العرض. المهم رحت، ويا دوبك العرض ابتدى من هنا بمزيكا جميلة و visual art هايل، وابتدى الممثلون يعرضوا ويحكوا وانا ما حطيتش منطق! من اول قصة والعياط اشتغل! وفضلت كده بقى! قصة ورا قصة، حكاية ورا حكاية والبكا مش بينتهي والألم بيزيد جوايا. لدرجة ان بنوتة بتشتغل في نظرة لقيتها بتمدلي ايدها بمناديل من كتر ما انا كنت منهارة! حكايات واقعية وحصلت عن القهر والتحرش والعنف بس بمنظور مختلف، كان عرض هايل لكن مؤلم. لحد ما ابتدوا يحكوا حكاية بنت تم التحرش بها جماعيا في التحرير، انا كنت واقفة في اخر صف في الجمهور، وورايا باب خلفي للقاعة، لقيتني باتجه ناحيته وبافتحه وباعتذر للبنوتة اللي ادتني المناديل وباقولها اني مش حاقدر اكمل! طلعت من القاعة وفوجئت بالبنوتة دي بتديني كارت لنظرة وقالتلي احنا بنقدم دعم نفسي لضحايا العنف والتحرش وكده! استغربت شوية واتضايقت حبتين عشان على قد ما انا كنت متفهمة انها فعلا بتحاول تقدملي دعم، الا اني حسين انها دخلت في مساحتي الشخصية وكنت فعلا عايزة اختلي بنفسي وقتها لأني كنت فعلا overwhelmed  باللي شفته ومش محتاجة اسمع اي حد او اسمع تحديدا كلمتين زي دول، لأني ببساطة لما بيحس اني نفسيا تعبانة باستعين بطبيب او معالج نفسي ومش باكابر او باتكسف من ده! المهم اني اضطريت اني اتكلم واقول اي حاجة عشان الوقت يعدي. بس رجعت لقناعة اني بالفعل لازم ادافع عن نفسي اكتر وامنع اي حاجة او اي حد، يحسسني بالحزن. الا طبعا لو ربنا رايد حاجة بعينها، مش حاقدر اغيرها ولا امنعها. واخيرا، الطاقة دي مش حاجة بنلاقيها في الشارع، وانا زي ما صديق قالي ان روحي تحتاج للشحن لشكل دوري... نصيحة: وفروا طاقتكم واشحنوا دايما بالشكل اللي تفضلوه، سافروا، اسمعوا مزيكا، اختلوا بنفسكم، شوفوا ناس كتير، اخرجوا، اتمشوا، ادخلوا سينما، اقروا قرآن، صلوا كتير، ادعوا، اعملوا خير، بس اشحنوا. ارجوكم...

بتاريخ 8 ديسمبر 2014 

النجمات

أعتقد أن بعض الرجال ما هم الا لعنات على نسائهم! نعم. كأنهم يجلبون لهن الحظ السيء حتى بعد الفراق. أما اثناء ارتباطهم بهن، يتغذى هذا النوع من الرجال على طاقة المرأة. يستنزف كل ذرة طاقة ايجابية لديها، ويستنزف أيضا حبها للحياة. ثم يتركها جثة هامدة.

عادة يقع هذا النوع من الرجال في غرام نساء مميزات بشكل أو بآخر. يكنّ نجمات.نعم، نجمات تلمع وبريقها يزيغ اﻷعين. ثم يأتي هذا الرجل لكي يرتبط بتلك النجمة. ومن هنا تبدأ القصة أو المأساة.  أليس كذلك تبدأ كل القصص السمجة المكررة؟ للأسف في كثير من اﻷحيان لا يكون هذا الرجل مميزا في اي شيء. هو لا يقارن بتلك الجميلة، التي تفقد لمعانها وبريقها شيئا فشيئا.   يشرع ضياء النجمة في الخفوت، وفي المقابل يبدأ نجم هذا الرجل في السطوع. وكلما يخفت ضوء النجمة، يتألق هذا الرجل، يلمع، يصل للذروة، لتلك النقطة التي لا تتحمل فيها الأبصار بريقه، وحينها، حينها فقط، يخمد ضو تلك النجمة تماما. يختفي الألق ومعه الطاقة. تلك الطاقة الايجابية التي كانت تميزها. ألم أقل لكم انه استنزف طاقتها كلها ولم يترك لها  شيئا؟ لقد تغذى ذلك الطفيلي على روحها. تحاول المسكينة جاهدة -بعد تلك العلاقة الفاشلة- أن تعود لسابق عهدها. أن تسترجع طاقتها وألقها.  ولكن هيهات. لقد أضاعتهما! فقدتهما الى اﻷبد. عقلها الذي ما زال يعمل بكفاءة لم ولن يتوقف عن التفكير. يقوم باعادة احياء لتلك اللحظة التي كان من الممكن أن تتفادى فيها كل ما سبق. هي تتذكر تلك اللحظة تماما. وكيف تنساها وهي تلك اللحظة الفارقة التي تؤرخ بها لهذا الشرخ؟ أهي لحظة الميلاد ام الموت؟ ليس بوسعها ان تجزم. لكنها تعلم وعن يقين انه ومنذ تلك اللحظة لم تعد تلك الفتاة ذات اﻷلق والبريق. انطفأت.

تلك اللحظة عندما أقنعها والداها بقبول هذا الرجل الذي لم تجد به أي ميزة استئنائية، ولا تعلم كيف استسلمت تماما! حتى الآن لا تعلم! لكنهم نجحوا بطريقة او بأخرى في تغيير رأيها بحجج واهية منها انها لن تجد رجلا آخر مثله – من الجدير بالذكر انه وبعد ان انهت ارتباطها به في لحظة كشف وصراحة مع النفس، اتهمها أبواها بأنها هي التي أساءت الاختيار وانهم لا يعلمون لماذا اختارت هذا الشخص بالتحديد! او يتلون على مسامعها حجة عبقرية أخرى والتي مفادها انه: "لا تعتقدي انك ستقابلين هذا الرجل التي تتمنيه في مخيلتك،  ﻷنه ببساطة غير موجود!" او كما اخبرتها صديقة لها: "أتعتقدين ان من يشبهننا من الفتيات ومن هن في مثل عمرنا سيأتي لهن رجل وسيم وناجح ومناسب؟ انسي!" او المبرر الآخر الذي ينجح دائما مع بعض الفتيات -تبين لها لاحقا انها مثلهن بالرغم من انها دائما ما كانت تعتقد ان تلك الحيلة لا ولن تنطلي عليها- وهي: "من هن في مثل سنك يجب عليهن قبول الحلول الوسط." وكان هو حل وسط مناسب جدا!

اتوسل اليكي يا من تقرأين تلك الكلمات، لا تصدقيهم. اياكي. انت اكثر شخص يعرفك. هم، مهما كانوا قريبين منك لن يعرفوكي حق المعرفة ولن يفهموكي. استمعي لنفسك. لصوتك. صوتك وحده هو الصادق. أتعرفين هذا الصوت؟ الذي يتردد داخل رأسك حينما تفكرين؟ هو هذا الصوت. ثقي قيه ولا تستمعي ﻷحد غيره. الآخرون كاذبون. صدقيني. اول حدس هو اﻷصدق. اذا سمعت هذا الصوت يقوم بتحذيرك، فمن الضروري أن تأخذي حذرك. أما اذا طمأنك فلا تخافي! لأنه ولسبب بسيط جدا، اذا فشلتي ستشعرين بالمسئولية عن أفعالك ولن تشعري بهذا الندم الذي سيؤلمك، صدقيني. سيؤلمك. افعلي ما يمليه عليك الصوت. لأنه هو الذي سيسمعك ما لا تطيقين من لوم وتقريع اثناء لحظات ندمك على تجاهلك له.

نعم, يشبعها الصوت لوما وتقريعا. وحفاظا لماء الوجه، تحاول ان تبرر وان تذكر حججا تعلم تماما انها واهية، لكنها تجيب الصوت ردا على اتهاماته المتتالية: "ماذا لو كنت؟ او لو كنت! او ماذل لو لم أكن.... ؟"  تبريرات واسباب عدة تداري بها خجلها وفشلها. لكن في النهاية يبقى الصوت، صوتها. رفيقها الوحيد، الوفي دائما وأبدا. صديقها اﻷوحد الذي لا تريد ان تخذله مرة اخرى. بل لن تخذله مطلقا

مشيرة صالح
17 أبريل 2015

الرحم



أصحو من نومي. كالعادة نوم مرهق ومتقطع يجعل جسدي يئن من الألم عند استيقاظي، اجهز افطاري واشرب كوبا من الشاي بالحليب، عادة لم ولن أنقطع عنها، ثم أتجه لملاذي منذ قرابة اربعة أشهر، ركني المفضل في غرفة المعيشة على الأريكة الغير مريحة على الاطلاق امام التلفاز. روتين يتكرر كل يوم منذ أن بدأت تلك المرحلة التي عنوانها الملل. هل هو الملل حقا؟ أعتقد ان العنوان الأنسب هو العزلة. عزلة اختيارية. هل هي اختيارية حقا؟ ام انني اقول ذلك لمجرد الحفاظ على ماء الوجه. ولكن امام من؟ نفسي؟ لم أعمل منذ شهور طويلة. أعمل بشكل متقطع ولكني لم اعمل منذ سنوات بشكل منتظم، حيث اذهب بشكل يومي لمقر عملي، فضلت لظروف شخصية ومهنية أن أعمل بشكل مستقل لكي ابعد عن الالتزامات التي تأتي مع الشكل التقليدي للوظيفة. كنت اعتقد أنني ساستريح لهذا الشكل المستقل في العمل، لكنني لم استرح. أعتقد أنني لم أنجح، او على الأقل لم أنفذ المخطط الذي وضعته في مخيلتي. أصبحت كالراقصين على السلم. لا أعتاد تلك الحياة الستاتيكية الرتيبة للغاية، ولا اود الرجوع لتلك الدوامة، او الطاحونة سمها ما شئت. لا استطيع. عملت لحوالي اربعة عشر عاما في أماكن لها ايقاع سريع وريتم كان يجعلني انا وزملائي نلهث لكي نثبت أنفسنا.  استطعت ان اقوم بهذا الجهد لأكثر من اربعة عشر عاما لكن هذا لا يعني بالضرورة أنني أود ان تستمر حياتي بهذا الشكل.

بالأمس قابلت صديقا. تكلمت معه بدون توقف قرابة الساعتين او اكثر، لا اعلم اذا كنت سأستطيع استرجاع كلماتي التي وصفت بها مشاعري له بدقة شديدة مرة أخرى لأخطها هنا، لكنني سأحاول. حيث أنه نصحني بكتابة ما أشعر به في تلك الفترة التي في رأيه تعد "لحظة استثنائية ما تفرطيش فيها" على حد تعبيره!  أخذت بنصيحته وبدأت في كتابة ما أشعر به ولو ان كل كلمة يصحبها الم شديد تشعر به روحي الواهنة التي أتعبتها معي للغاية. كل ما اعرفه انني اشعر بالملل الشديد. هي أعراض اكتئابية كما قال لي صديقي وطبيبي النفسي. هي في الأصل –بما انني متيمة بمعرفة أصل الأشياء بوجه عام- بسبب ثورة هرمونية أمر بها منذ اكثر من عام بسبب وجود أورام ليفية في رحمي. رحمي... الرحم. هذا العضو الغائب الحاضر. حاضر بمعاناته وتألمه ومعارضته بل وثورته علي واعتراضه على وضعي بشكل فج ومؤلم بل مؤذ. نعم لقد أعلن رحمي عصيانه. اعترض على عدم استخدامه وليس سوء استخدامه –كما كنت أسخر من نفسي ومنه لصديقة عزيزة كانت تطمئن علي- نعم، من عدم استخدامه! كم كنت أتمنى لو أنه اعترض على استخدامه الزائد عن الحد او من سوء استخدامه  على اقل تقدير! لكنه من الواضح انه ملّ من عدم استغلالي لقدراته المهولة! قدرته على الاستمتاع، على امتاعي، قدرته على الخلق. لكننا حصرناه في أدوار الكومبارس الصامت. قد يظهر اعتراضه مرة كل شهر لكنه في النهاية ينزف معلنا احتجاجه وفشله المستمر في القيام بدوره الذي سخّر لأجله. أصبت مثل الكثير من الفتيات في مثل عمري، أي اللاتي تخطين الأربعين ولم يتزوجن، بأورام حميدة عديدة في الرحم، حوالي ثلاثة عشر ورم، منتشرين في كل مكان داخل الرحم، مسببين ألما لا يطاق وخللا هرمونيا يصيبني بأعراض شبه اكتئابية ونوبات من القلق والخوف. 

فعل الاحتجاج كان عنيفا، زاعقا، مؤلما، نازفا بشدة جعلت من عملية استئصال تلك الأورام أمرا حتميا.  عملية جراحية قيصرية.  ضحكت عندما أخبرني الطبيب بأنه سيجري عملية قيصرية لاستئصالهم، وبكيت عندما غادرت عيادته. شعرت بأن القدر ومعه شريكه، الرحم، يسخران مني سخرية لاذعة ومرة. هما يقولان لي: –هكذا تصورت- "انت لم يقدر لك الزواج يا مشيرة، وقد لا تتزوجين بعد حين، ولكنك ستجربين ألم الجراحة القيصرية" - وهو ألم لو تعلمون عظيم، كنت بسذاجتي أتخيل انني ":نفدت" منه لتأخري في الزواج! لكن ويا لسخرية القدر سأجربه بدون أن أستيقظ بعد العملية لأجد طفلا رضيعا يبتسم الى جواري. سأفيق من المخدر وحيدة ولن أشعر بلهفة الأم التي تود أن ترى وجه رضيعها لأول مرة. سأستيقظ لأتحسس ألم الجرح الذي تغطيه الضمادات وأنام وحيدة على سريري في تلك الغرفة الباردة بالمستشفى الأنيق ولن اطلب من الممرضة ان تحضر لي طفلي لأرضعه. وحشة ما بعدها وحشة. لا أعلم لماذا يضعني الرب في تلك الاختبارات المرة تلو المرة. الحمد لله والأمر لله من قبل ومن بعد بالطبع لكن آه تلك الاختبارات المزعومة.  كنت حرفيا بين شقي الرحى.  اما ان اقرر بوعي تام الا أجري العملية، وأن احتفظ برحمي كما هو، وبالتالي سأقع عرضة لتلك النوبات الحادة التي تصيبني كل صباح والتي تجعل من فعل القيام من فراشي كل صباح عملا بطوليا لا أتفهم كيف يقوم به باقي البشر!  أقنع نفسي لقرابة الساعتين بأنني يجب أن أقوم من هذا الفراش واخرج من غرفتي! لكن يوميا يحدث هذا الحوار الداخلي الذي لا أكل ولا أمل منه! فراشي هو المكان الوحيد الآمن على وجه هذه الأرض! اذا خرجت من غرفتي قد أقابل اشياءا قد لا استطيع مواجهتها، بل لن أستطيع مواجهتها! هذا الحوار الداخلي يستمر حتى اجدني أشعر ببداية اصابتي بنوبة الصداع النصفي المرعبة بسبب تأخري في تناول الافطار، فأقوم مضطرة وأبدأ يومي الممل الرتيب بارادتي الحرة. أما الاختيار الآخر فهو أن أجري العملية وأشعر بكل الآلام التي تشعر بها النساء بعدها.   


كان القرار هو ان اجري العملية. مع العلم ان بعض الأطباء كانوا قد حذروني بأنني قد احتاج لاستئصال الرحم كله بسبب خطورة تلك العملية، لكنني لم ارض! هناك خط فاصل بين أن انقذ نفسي من بعض الآلام وبين أن انهي وجودي كامرأة! هو انتحار في رأيي! أن استئصل رحمي معناه أنني أقر بأنني لست أنثى! أنا أعيش معضلة بالفعل وانا أملك رحما، فما بالك اذا فقدته؟ لا.... لن استطيع ان اتحمل تلك القسوة! لنجري العملية بأقل الخسائر. حاول طبيبي ان يجد حلا آخر تناقشنا فيه سويا، وهو استبدال العملية القيصرية بالمنظار. صارحني الطبيب بأنني قد افقد عذريتي بهذا الحل! فاجأت نفسي ووجدتني اقول له ان العذرية ليست هي مشكلتي الأولى الآن! فلتذهب العذرية للجحيم اذا اصبحت هي الثمن لعدن شعوري بالألم! لكن اتضح ان المنظار ليس هو الحل الأمثل لحالتي نظرا لانتشار الأورام مما يستلزم التدخل الجراحي للتعامل بدقة معها! لن أنسى نظرة أمي وزوجة أخي وهن يرفضن بمنتهى الحدة هذا الحل الشيطاني الذي سيفقدني عذريتي! فتاة اربعينية ليست لديها اي فرص للزواج او الارتباط وجل خوف أمها هو فقدانها لعذريتها على يد المنظار! أتذكر سؤالها لي والذي لم تأخذ ثانية في التفكير فيه: "مش الدكتور حايديكي شهادة بانك فقدتي عذريتك بسبب العملية؟" كنت اريد الصراخ! اي عذرية وأي شهادة تلك التي تصيبكم بالرعب؟! لن أنسى كذلك تعليمات الدكتور في غرفتي بالمستشفى للمرضات وهن يصطحبنني لغرفة العمليات: "مشيرة virgin  سامعين؟ virgin! مش عايز اي حد يعمل اي حاجة غير ضرورية! هي مش مدام!" تساءلت! لو كنت فتاة اوروبية او امريكية هل كان طبيبي سيعطي نفس تلك التعليمات بتلك الحدة والحسم والجدية؟ أم هو وجودي في تلك البقعة البائسة من العالم الذي يحتم علي، بل وعلى طبيبي أيضا، أن يتخذ قرارات قد لا تكون في صالح راحتي لكنها قطعا في صالح "شرفي"!  الم اقل لكم أن القدر يسخر مني؟

29 مارس 2015 

ستة ابتدائي


بخصوص عزة عبد المنعم، امينة متحف محمود سعيد في اسكندرية، اللي وزير الثقافة قالها كلمتين، من وجهة نظره، انه تم اقتطاعهم معها من السياق! الضلالي بدل ما يعتذر في كلمة ونص ويقول انا اخطات وباعتذرلها فعلا عن الكلام السخيف اللي قلته، وبعد ما عمل عليها حفلة هو واللي كانوا معاه في الجولة، بيقول عزة فهمتني غلط وانا كنت عايزة ألطف الجو! امال لو كان عايز يوتر الجو كان عمل ايه؟ معظم المصريين ماعندهمش ثقافة الاعتذار، فما بالكم بموظف حكومي بدرجة وزير؟! اكيد حايداري خيبته وكسوفه وسماجته بكلمتين خايبين!

ليه باقول الكلمتين دول؟ مع العلم ان القصة عدى علها اكتر من تلات او اربع ايام وده في عرف المصريين كفيل بأنه ينسينا القصة بالأستاذة عزة بالوزير! بس باقولهم عشان افتكرت قصة لطيفة جدا وحبيت اشارك يعني! هي مش لطيفة على الاطلاق بس حلو برضه اننا نوسع مداركنا ونعرف اكتر.

اتذكر وانا في سنة ستة ابتدائي في مدرسة جيرار، زارنا مرة في الفصل  مفتش لغة عربية، وكانت دايما زياراتهم سخيفة وسمجة وبيصاحبها بعض الطقوس الأسخف، واعتقد ان الطقوس دي مستمرة  الى اليوم اللي حانقابل فيه وجه رب كريم كلنا. المهم اعتاد المدرسون والمدرسات على عرض بعض كراسات الطلبة المتفوقين للمفتشين، بالاضافة لأن المفتشين دول كانوا بيحبوا يطرحوا أسئلة صعبة، أعتقد لغرض ما في نفس يعقوب، ألا وهو التنطيط على المدرسين، عشان يعني يبينوا انهم برضه ما زالوا هم المفتشون ، بالبلدي بيعلّموا عليهم! المهم سأل الراجل سؤال، وانا حبيت اجاوب، فقمت جاوبت، وحذت على استحسان المفتش والمدرس انفرجت اساريره وراح قايل كلمتين حلوين في حقي، راح المفتش سائلني انت اسمك ايه؟ جاوبت. ثم اتبع وايه هواياتك؟ قلت بمنتهى الفخر: القراءة وانا ناوية ارص قايمة بالكتب اللي باقراها من مكتبة ابويا، فخورة بنفسي بقى. راح المفتش بمنتهى السماجة والسخافة والجليطة ضاحك وقالت اكيد القراءة ما هو باين وراح عامل حركة كده فيها سخرية على أني تخينة! لِسَّه فاكرة الحركة وشكله والأهم اني لسه فاكرة إحساسي لحد دلوقتي مع ان مر على الموقف ده اكتر من ٢٩ سنة. بس الاحساس كان مؤلم اوي، خاصة اني كنت طفلة حساسة جدا. حسيت وانا واقفة في وسط الفصل اني اتدلق عليا برميل مية ساقعة لكني ضحكت عشان اداري كسوفي! المدرس ما قالش اي حاجة تعقيبا على التعليق السخيف ده! بصيتله باستنجد بيه عشان يقول اي حاجة بس ما قالش! حايقول ايه اصله! بسذاجتي كنت فاكرة ان هذا المفتش سيثني على هوايتي ويقولي برافو عليكي انك بتقري!  لكن ده ما حصلش! هو لم يثن عليّ والمدرس لم يعقب وانا سكت! ضحكت ثم سكت تماما! واول ما مشي بكيت بكل احساس القهرة والاحباط والكسوف اللي جوايا! أفتكر كويس ان زمايلي واسوني وقالولي ما تزعليش! الفصل كله حاول يخفف عني.  ويمكن دي الحاجة الوحيدة اللطيفة اللي فاكراها من كل الموقف السخيف ده! لكني حتى الان فاكرة الكلام اللي قاله واحراجي وقتها وعدم قدرتي على الرد. 


موقف عزة الشجاع وتصديها لوزير الثقافة قلب عليا المواجع! فكرني بالموضوع ده بالرغم من مرور سنين طويلة! ويمكن برضه لاحظت حاجة وهي ان الكائنات المتورطة فيالموضوع تكاد تكون متشابهة! هما نفس الموظفين الجلنفات اللي تقدموا في السلم الوظيفي، ده مفتش والتاني وزير، بس نفس الجهل بالرغم من ان احدهما معني بالتفتيش على العملية التعليمية، أي انه كان مدرس وتربوي، من المفترض يعني، والآخر معني بالعملية الثقافية كلها! مش عايزة اكون قاسية على نفسي، وده المعتاد، بس انا كان عمري وقتها 12 سنة، وما كنتش اقدر ارد عليه. طبعا لو المفتش ده قابلني دلوقتي، اكيد سأسمعه من المنقّي خيار! وعشان كده كنت عايزة اوجه شكري لعزة! انت جدعة يا عزة. انت قلتي وعملتي اللي انا ماقدرش لا اقوله ولا اعمله! وواضح ان الموضوع لسه مأثر فيا، لأني اول ما قريت قصة عزة، افتكرت في ثوانيّ يعني واضح ان الموقف ده موجود في العقل الباطن وكان مستني اي اشارة عشان استرجعه!

وبالمناسبة الغير سعيدة دي، ومن موقعي هذا، احب اقول لمفتش اللغة العربية اللي كان بيفتش على مدرسة جيرار سنة ١٩٨٦ هو ووزير الثقافة الحالي: يحموكم في كنكة....

18 أبريل 2015