Sunday, September 22, 2013

الخاطرة الثالثة في أرض الحر وموطن الشجاع: الشعب فوق الجميع



"هي مدينة صغيرة عدد سكانها 600 الف نسمة، بها 13 جامعة! صممت خصيصا لتكون عاصمة لاتحاد الولايات الفيدرالي! كل مبنى في المدينة تم تصميمه وبناؤه بطريقة هندسية معينة لتؤكد على قيمة أراد الآباء المؤسسون أن تكون واضحة أمام أعين الأمريكيين!" كان هذا ما حدثنا به مرشدنا السياحي "إسكندر" أثناء جولتنا في واشنطن في مارس 2013 في إطار برنامج تبادل وتدريب مع وزارة الخارجية الأمريكية "المرأة كقيادة سياسية" في وفد مكون من 11 سيدة وفتاة من العراق والمغرب وتونس والأردن والسودان ومصر وقطر. مرشدنا كان يتحدث العربية الفصحى بطلاقة، حيث أنه مدرس لغة عربية في جامعة بواشنطن وأمريكي مسلم.

أخبرنا اسكندر أن مبنى الكونجرس هو أعلى مبنى في المدينة ارتفاعا لأنه يمثل الشعب، والشعب فوق الجميع! حتى البيت الأبيض أقل في الارتفاع من مبنى الكونجرس! هناك تمثال على أعلى نقطة على مبنى الكونجرس. هذا التمثال هو تمثال الحرية الذي يرحب بزائري نيويورك على الساحل الشرقي ! ويرمز التمثال إلى سيدة تحررت من قيود الاستبداد-التي ألقيت عند إحدي قدميها. تمسك هذه السيدة في يدها اليمني مشعلا يرمز إلي الحرية، بينما تحمل في يدها اليسري كتابا نقش عليه بأحرف رومانية جملة "4 يوليو 1776"، وهو تاريخ إعلان الاستقلال الأمريكي، أما علي رأسها فهي ترتدي تاجا مكونا من 7 أسنة تمثل أشعة ترمز إلى البحار السبع أو القارات السبع الموجودة في العالم. (المصدر ويكيبديا الموسوعة الحرة). لماذا امرأة؟ لأن الكونجرس وقتها كان أعضاؤه جميعهم من الرجال فقط، لذلك وجب وجود امرأة تخلق توازنا في هذا المبنى!

تمثال الحرية فوق الكونجرس ينظر للشرق دائما! لماذا الشرق؟ لأن الشمس تشرق من الشرق وهي مصدر الحقيقة! مبنى التحقيقات الفيدرالية يتواجد في نفس الشارع الذي تقع فيه وزارة العدل، لكن كل منهما يواجه الآخر، كأن الطرفان يراقبان أحدهما الآخر!

 ملاحظتي هنا: كيف يمكن لشعب ما، أن تأتي له فرصة عبقرية لكي يبدأ عالما جديدا بكل تفاصيله يحاول ان يتفادى فيه كل سلبيات العالم الذي عاش فيه مسبقا؟ هو يحاول ان يخلق صورة أجمل كان يحلم بها في مخيلته لهذا العالم الجديد، للدرجة التي يريد أن يتأكد فيها من أن الشمس تشرق لتمثال الحرية التي تقف فوق مبنى الكونجرس لكي تسبغ من اتزانها وعقلانيتها وعواطفها وحرصها على تحقيق العدالة على الرجال المجتمعين تحت قبة الكونجرس ويمثلون الشعب!

لا أعلم لماذا ذكرني هذا بأمرين: الأول الفرص التي يخلقها الشعب المصري لنفسه وبانجازه المرة تلو المرة، لكنه لا ينجح في تغيير الأمور جذريا كما قام الآباء المؤسسون في الولايات المتحدة الأمريكية! قمنا بثورة شعبيتين عظيمتين في غضون عامين، 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وفي كل مرة، للأسف، يكون التغيير الجذري معركة شرسة نخوضها، قد تكون أشرس من فعل الثورة ذاته! كأننا نريد تحقيق أهداف ثورتنا على استحياء، أو كأننا نقوم بفعل نخجل منه! كأننا لا نستحق الحرية والعدالة والمساواة ودولة القانون! كيف لنا أثناء سعينا لتحقيق أهدافنا، أن نخجل بالرغم من الثمن الباهظ الذي دفعناه مقدما للحصول على حريتنا!

الأمر الثاني الذي تذكرته أثناء شرح اسكندر لنا، عظمة المصري القديم والتي تجلت في بناء أهراماته ومعابده، وكيف كان يبني تلك المباني الخالدة وهو متأثر بعقيدته التي تؤمن بالبعث والخلود وتقدس إلها واحدا خالقا لهذا الكون! كأنه تأتي فترات في تاريخ الشعوب، يتجلى فيها ابتكار الإنسان ورغبته في إظهار أفضل ما عنده فيخلّد؟ ملوك الفراعنة كانوا مهووسين بفكرة الخلود واستخدموا لتحقيق ذلك عشرات الألوف من البشر لبناء مقابرهم التي أبهرت العالم لآلاف السنين، وتحقق لهم الخلود! تركوا لنا صروحا خالدة تشهد على عظمتهم، تركوها إرثا لنا، نحن المصريين، أبنائهم وأحفادهم، نتحدث عنها حتى الآن ونفاخر بها الأمم.

أما الآباء المؤسسون في أمريكا ومن جاء بعدهم، حرصوا على أن يتخلصوا، بل أن يتطهروا، من مساوئ العبودية، وحرصوا على أن يتخلصوا من كل ما واجهوه من سلبيات في بلادهم قبل أن يهاجروا منها إلى العالم الجديد! تركوا لأبنائهم وأحفادهم دستورا عظيما وديمقراطية حقيقية يمارسها الأبناء حتى الآن! لا أّدّعي هنا أن الأمريكان أفضل! لكن أليس هذا العالم يستحق منا دائما أن نظهر أفضل ما فينا، حتى إذا ما رحلنا عنه، بقى منا أثر ما يجعل الأجيال التي تأتي بعدنا تفخر بنا، بل وتشعر أننا كنا بحق، الآباء المؤسسون لوطنهم؟

مشيرة صالح 
كتبتها في 4 مارس 2013 ثم قمت بتحديثها في22 سبتمبر 2013


No comments:

Post a Comment