Saturday, April 18, 2015

الرحم



أصحو من نومي. كالعادة نوم مرهق ومتقطع يجعل جسدي يئن من الألم عند استيقاظي، اجهز افطاري واشرب كوبا من الشاي بالحليب، عادة لم ولن أنقطع عنها، ثم أتجه لملاذي منذ قرابة اربعة أشهر، ركني المفضل في غرفة المعيشة على الأريكة الغير مريحة على الاطلاق امام التلفاز. روتين يتكرر كل يوم منذ أن بدأت تلك المرحلة التي عنوانها الملل. هل هو الملل حقا؟ أعتقد ان العنوان الأنسب هو العزلة. عزلة اختيارية. هل هي اختيارية حقا؟ ام انني اقول ذلك لمجرد الحفاظ على ماء الوجه. ولكن امام من؟ نفسي؟ لم أعمل منذ شهور طويلة. أعمل بشكل متقطع ولكني لم اعمل منذ سنوات بشكل منتظم، حيث اذهب بشكل يومي لمقر عملي، فضلت لظروف شخصية ومهنية أن أعمل بشكل مستقل لكي ابعد عن الالتزامات التي تأتي مع الشكل التقليدي للوظيفة. كنت اعتقد أنني ساستريح لهذا الشكل المستقل في العمل، لكنني لم استرح. أعتقد أنني لم أنجح، او على الأقل لم أنفذ المخطط الذي وضعته في مخيلتي. أصبحت كالراقصين على السلم. لا أعتاد تلك الحياة الستاتيكية الرتيبة للغاية، ولا اود الرجوع لتلك الدوامة، او الطاحونة سمها ما شئت. لا استطيع. عملت لحوالي اربعة عشر عاما في أماكن لها ايقاع سريع وريتم كان يجعلني انا وزملائي نلهث لكي نثبت أنفسنا.  استطعت ان اقوم بهذا الجهد لأكثر من اربعة عشر عاما لكن هذا لا يعني بالضرورة أنني أود ان تستمر حياتي بهذا الشكل.

بالأمس قابلت صديقا. تكلمت معه بدون توقف قرابة الساعتين او اكثر، لا اعلم اذا كنت سأستطيع استرجاع كلماتي التي وصفت بها مشاعري له بدقة شديدة مرة أخرى لأخطها هنا، لكنني سأحاول. حيث أنه نصحني بكتابة ما أشعر به في تلك الفترة التي في رأيه تعد "لحظة استثنائية ما تفرطيش فيها" على حد تعبيره!  أخذت بنصيحته وبدأت في كتابة ما أشعر به ولو ان كل كلمة يصحبها الم شديد تشعر به روحي الواهنة التي أتعبتها معي للغاية. كل ما اعرفه انني اشعر بالملل الشديد. هي أعراض اكتئابية كما قال لي صديقي وطبيبي النفسي. هي في الأصل –بما انني متيمة بمعرفة أصل الأشياء بوجه عام- بسبب ثورة هرمونية أمر بها منذ اكثر من عام بسبب وجود أورام ليفية في رحمي. رحمي... الرحم. هذا العضو الغائب الحاضر. حاضر بمعاناته وتألمه ومعارضته بل وثورته علي واعتراضه على وضعي بشكل فج ومؤلم بل مؤذ. نعم لقد أعلن رحمي عصيانه. اعترض على عدم استخدامه وليس سوء استخدامه –كما كنت أسخر من نفسي ومنه لصديقة عزيزة كانت تطمئن علي- نعم، من عدم استخدامه! كم كنت أتمنى لو أنه اعترض على استخدامه الزائد عن الحد او من سوء استخدامه  على اقل تقدير! لكنه من الواضح انه ملّ من عدم استغلالي لقدراته المهولة! قدرته على الاستمتاع، على امتاعي، قدرته على الخلق. لكننا حصرناه في أدوار الكومبارس الصامت. قد يظهر اعتراضه مرة كل شهر لكنه في النهاية ينزف معلنا احتجاجه وفشله المستمر في القيام بدوره الذي سخّر لأجله. أصبت مثل الكثير من الفتيات في مثل عمري، أي اللاتي تخطين الأربعين ولم يتزوجن، بأورام حميدة عديدة في الرحم، حوالي ثلاثة عشر ورم، منتشرين في كل مكان داخل الرحم، مسببين ألما لا يطاق وخللا هرمونيا يصيبني بأعراض شبه اكتئابية ونوبات من القلق والخوف. 

فعل الاحتجاج كان عنيفا، زاعقا، مؤلما، نازفا بشدة جعلت من عملية استئصال تلك الأورام أمرا حتميا.  عملية جراحية قيصرية.  ضحكت عندما أخبرني الطبيب بأنه سيجري عملية قيصرية لاستئصالهم، وبكيت عندما غادرت عيادته. شعرت بأن القدر ومعه شريكه، الرحم، يسخران مني سخرية لاذعة ومرة. هما يقولان لي: –هكذا تصورت- "انت لم يقدر لك الزواج يا مشيرة، وقد لا تتزوجين بعد حين، ولكنك ستجربين ألم الجراحة القيصرية" - وهو ألم لو تعلمون عظيم، كنت بسذاجتي أتخيل انني ":نفدت" منه لتأخري في الزواج! لكن ويا لسخرية القدر سأجربه بدون أن أستيقظ بعد العملية لأجد طفلا رضيعا يبتسم الى جواري. سأفيق من المخدر وحيدة ولن أشعر بلهفة الأم التي تود أن ترى وجه رضيعها لأول مرة. سأستيقظ لأتحسس ألم الجرح الذي تغطيه الضمادات وأنام وحيدة على سريري في تلك الغرفة الباردة بالمستشفى الأنيق ولن اطلب من الممرضة ان تحضر لي طفلي لأرضعه. وحشة ما بعدها وحشة. لا أعلم لماذا يضعني الرب في تلك الاختبارات المرة تلو المرة. الحمد لله والأمر لله من قبل ومن بعد بالطبع لكن آه تلك الاختبارات المزعومة.  كنت حرفيا بين شقي الرحى.  اما ان اقرر بوعي تام الا أجري العملية، وأن احتفظ برحمي كما هو، وبالتالي سأقع عرضة لتلك النوبات الحادة التي تصيبني كل صباح والتي تجعل من فعل القيام من فراشي كل صباح عملا بطوليا لا أتفهم كيف يقوم به باقي البشر!  أقنع نفسي لقرابة الساعتين بأنني يجب أن أقوم من هذا الفراش واخرج من غرفتي! لكن يوميا يحدث هذا الحوار الداخلي الذي لا أكل ولا أمل منه! فراشي هو المكان الوحيد الآمن على وجه هذه الأرض! اذا خرجت من غرفتي قد أقابل اشياءا قد لا استطيع مواجهتها، بل لن أستطيع مواجهتها! هذا الحوار الداخلي يستمر حتى اجدني أشعر ببداية اصابتي بنوبة الصداع النصفي المرعبة بسبب تأخري في تناول الافطار، فأقوم مضطرة وأبدأ يومي الممل الرتيب بارادتي الحرة. أما الاختيار الآخر فهو أن أجري العملية وأشعر بكل الآلام التي تشعر بها النساء بعدها.   


كان القرار هو ان اجري العملية. مع العلم ان بعض الأطباء كانوا قد حذروني بأنني قد احتاج لاستئصال الرحم كله بسبب خطورة تلك العملية، لكنني لم ارض! هناك خط فاصل بين أن انقذ نفسي من بعض الآلام وبين أن انهي وجودي كامرأة! هو انتحار في رأيي! أن استئصل رحمي معناه أنني أقر بأنني لست أنثى! أنا أعيش معضلة بالفعل وانا أملك رحما، فما بالك اذا فقدته؟ لا.... لن استطيع ان اتحمل تلك القسوة! لنجري العملية بأقل الخسائر. حاول طبيبي ان يجد حلا آخر تناقشنا فيه سويا، وهو استبدال العملية القيصرية بالمنظار. صارحني الطبيب بأنني قد افقد عذريتي بهذا الحل! فاجأت نفسي ووجدتني اقول له ان العذرية ليست هي مشكلتي الأولى الآن! فلتذهب العذرية للجحيم اذا اصبحت هي الثمن لعدن شعوري بالألم! لكن اتضح ان المنظار ليس هو الحل الأمثل لحالتي نظرا لانتشار الأورام مما يستلزم التدخل الجراحي للتعامل بدقة معها! لن أنسى نظرة أمي وزوجة أخي وهن يرفضن بمنتهى الحدة هذا الحل الشيطاني الذي سيفقدني عذريتي! فتاة اربعينية ليست لديها اي فرص للزواج او الارتباط وجل خوف أمها هو فقدانها لعذريتها على يد المنظار! أتذكر سؤالها لي والذي لم تأخذ ثانية في التفكير فيه: "مش الدكتور حايديكي شهادة بانك فقدتي عذريتك بسبب العملية؟" كنت اريد الصراخ! اي عذرية وأي شهادة تلك التي تصيبكم بالرعب؟! لن أنسى كذلك تعليمات الدكتور في غرفتي بالمستشفى للمرضات وهن يصطحبنني لغرفة العمليات: "مشيرة virgin  سامعين؟ virgin! مش عايز اي حد يعمل اي حاجة غير ضرورية! هي مش مدام!" تساءلت! لو كنت فتاة اوروبية او امريكية هل كان طبيبي سيعطي نفس تلك التعليمات بتلك الحدة والحسم والجدية؟ أم هو وجودي في تلك البقعة البائسة من العالم الذي يحتم علي، بل وعلى طبيبي أيضا، أن يتخذ قرارات قد لا تكون في صالح راحتي لكنها قطعا في صالح "شرفي"!  الم اقل لكم أن القدر يسخر مني؟

29 مارس 2015 

1 comment:

  1. وجعتيني يا مشيرة وشاركتني دموعي القراءة
    مش لاقية كلام
    لكن ممكن تعتبري تعليقي ياريت طبطبة أو مشاركة وجدانية

    ReplyDelete