Monday, June 11, 2012

هوامش على دفتر انتخابات الرئاسة

  عتقد أننا بحاجة لتقييم الموقف والنظر اليه بموضوعية في ضوء كل ما حدثا ويحدث الآن. أنا هنا أسجل بعض خواطري وملاحظاتي على المشهد الحالي الذي به قدر كبير من المفاجأة لا يساويها الا العبثية التي تغلب عليه! خواطري هذه قد تحتمل الصواب او الخطأ، أرجو أن نناقشها بموضوعية في ضوء المستجدات كما انني لا استطيع الجزم بشئ حتى يتم اعلان نتيجة آخر استمارة في آخر صندوق فرز في آخر محافظة في الجمهورية يوم الأحد او الثلاثاء حينها وحينها فقط سأقرأ المشهد بصورة مفصلة وواقعية أكثر. لكنني هنا اعرض تكهناتي وتحليلي المبدأي بناءا على تلك المؤشرات الأولية. الآن تلك المؤشرات تظهر حتى الآن تقدم شفيق ومرسي ودخولهم جولة الاعادة.

مبدأيا كلنا نعلم بأن شفيق "ماريونيت" المجلس العسكري، يخرجونه وقتما يريدون ويخفونه وقتما يريدون. فوقت تقديم المرشحين لأوراقهم امام لجنة الانتخابات خرج علينا مجلس الشعب بقانون العزل الذي نجح في استبعاد عمر سليمان وحدث لغط حول شفيق وبالفعل تم استبعاده ثم أعيد للسباق مرة أخرى. أضف الى ذلك كم البلاغات المقدمة ضده والتي تم تجاهلها عن عمد، وما يحدث له في مؤتمراته من هجوم واهانات تصل لحد رشقه بالأحذية بطريقة مهينة تتنافى مع مدى سيطرة حملته وحرصها على الدفاع عنه وحمايته. أقارن هنا أيضا موقفه بموقف عمر سليمان. هذا الرجل قدم أوراقه ثم خرج بهدوء من المشهد -سواء كان هذا برغبته او بإيعاز من المخابرات او المجلس العسكري لكي يخرج معه الاثنين الكبار خيرت الشاطر وحازم ابو اسماعيل- ثم انزوى تماما بعيدا عن دائرة الضوء. لكن شفيق ما زال وسيظل مستمرا في المشهد، يحدث الكثير من الضوضاء، سواء من تصريحات غير مسئولة، ملاسنات وتهديد ووعيد لرموز الثورة، الأهم من كل هذا أن شفيق عنده استعداد غريب لتقبل الاهانة بشكل مبالغ فيه والاصرار على الاستمرار في سباق الرئاسة بالرغم من كل هذا! فهو "مسنود" من المجلس العسكري اما لقوته بالفعل او لأنه "ماريونيت" يحركونها كيفما شاءوا!

لا يجب أن ننكر هنا أن هناك بالفعل ناخبين أعطوا أصواتهم لشفيق. من هم هؤلاء؟ أعتقد أنهم مصريين من طبقة رجال الأعمال و تابعيهم والبعض من الطبقة المتوسطة العليا الذين ملوا من الثورة وحالة الضبابية الشديدة التي بالتأكيد أثرت على أعمالهم وحرياتهم فوجدوا لدي رسائل شفيق الواضحة التي تصور لهم كيفية الهرب من هذا الفخ الذي وقعوا فيه في 25 يناير 2011 تطمينا ما. نضيف لهؤلاء بعض المسيحيين (من بعض المدن والصعيد) بالاضافة لفلول الحزب الوطني من الدلتا والصعيد.

لدي ملحوظة بسيطة فيما يخص الاتهام الذي يوجهه البعض للمسيحيين تحت دعوى أن اصواتهم هي التي اوصلت شفيق للجولة الثانية للاعادة. أنا لا ارى هذا الاتهام في محله نظرا للعدد الكبير الذي صوت لشفيق مما يتنافى مع تقدير أعداد المسيحيين في الواقع. كما أنهم لم يتم توجيههم من الكنيسة كما يدعي البعض. فأنا لدي خبرة سابقة في انتخابات مجلس الشعب ورأيت طريقة عمل لجان المواطنة بها والتي يشرف عليها قيادات كنسية مدنية سواء من الكبار او من الشباب الواعي الذين يقومون بتقييم كل مرشح وبالفعل يقررون لمن سيصوتون ويكون ذلك في صورة توصيات وليس أوامر من القساوسة البعيدون تماما عن تلك المنظومة، اذن لا مجال هنا لتشبيه دورهم بدور رجال الدين المسلمين الذين يدعون المسلمين لانتخاب شخص بعينه اعمالا لمبدأ الترغيب والترهيب فهم يعطون المصريين المسلمين وعدا بدخول الجنة ويرهبونهم بجهنم وبئس المصير في حالة تصويتهم لمرشح آخر لا سمح الله! وبناءا على ما تم تداوله داخل الكنيسة، فإن أصوات المسيحيين انقسمت الى قطاعين رئيسيين: الشباب وكبار السن. الشباب توجهوا جميعهم لصالح التصويت لحمدين صباحي والكبار تفتت أصواتهم بين عمرو موسى وأحمد شفيق وهو بالتأكيد صب في مصلحة حمدين وليس شفيق حيث أن الشباب يمثلون القطاع الأكبر والفاعل داخل الكنيسة.

أما الأغلبية الساحقة التي صوتت له من الدلتا والصعيد، فهم تحديدا متمركزون في معاقل قيادات فلول الحزب الوطني (المنوفية كمثال) الذين ليسوا بالضرورة يحتاجون لشراء اصوات، هؤلاء يوجهون قرى ومدنا بأكملها، لأنهم من كبار العائلات وأعمدتها الذين يتحكمون في أصوات مناصريهم. لكن من أين أتت بقية أصوات شفيق؟ هل احتمال المجندين الذين قاموا باستخراج بطاقات رقم قومي جديدة تتيح لهم التصويت احتمال صحيح؟ هو وارد بالطبع لكن يجب اثباته، خاصة أننا جميعا نشم رائحة المخابرات في تلك المسألة بل والطريقة المريبة التي تم بها تداول ذلك الاحتمال عبر قصة غير معلوم مصدرها على الفيسبوك! لا اصدق ان تداول تلك القصة الوهمية كان لتحذيرنا لكنه لتوجيهنا ناحية سيناريو معين لنتصرف على أساسه.

الموقف الآن اننا بين المطرقة والسندان: نار شفيق وجهنم الاخوان. من الواضح ان المجلس العسكري دفع بشفيق لسباق الرئاسة لتقديم وجه من بقايا النظام يواجه فزاعة الاخوان لكي ينتخبه جموع الشعب للهرب من الاخوان الذين خسروا ثقة الشعب المصري. دليلي على أن الاخوان خسروا أرضية كبيرة لهم في الشارع ملاحظتان: رقم واحد: عدد الأصوات التي حصدها مرسي والتي تظهر ان تنظيم الاخوان لم ينجح في الحشد كما فعل أثناء الانتخابات البرلمانية. رقم اثنان: ان الاخوان هزموا هزيمة نكراء في الاسكندرية احدى أهم معاقلهم على مستوى الجمهورية حيث نجح حمدين باكتساح منقطع النظير. ظاهرة اكتساح حمدين اظهرت ان المصريين يحتاجون لزعيم يشبههم يؤكد لهم ان مطالبهم البسيطة تأتي على قمة أولوياته. فكل من شارك في دعم حمدين أعطى مثالا حيا في الثبات على المبدأ في وقت كان فيه الجميع يروج لفكرة أن اعطاء صوتك لحمدين هو تفتيت للأصوات، بالرغم من ان النتائج اظهرت ان اعطاء الصوت لأبو الفتوح –مع احترامي التام وتقديري له- هو ما فتت الأصوات بعد تقدم حمدين عليه في كثير من المحافظات. سأكتب لاحقا عن فكرة ما تراودني لاستثمار نجاح حمدين صباحي في الاسكندرية وما يمثله من رمزية لنجاح مبهر للثورة يرجع لأن حمدين صباحي قام بتجسيد أهداف ثورة 25 يناير التي تمثلت في شعارها العبقري عيش – حرية –عدالة اجتماعية وترجمتها لبرنامج محدد ومبسط ألقاه على جموع المصريين في مؤتمراته وفي لقاءاته التليفزيونية فوجد صدى كبيرا لديهم ترجم هو بدوره لأصوات حسبت له في صندوق الانتخابات. يجب أن أعترف هنا بأن هذا النجاح أظهر فشلنا نحن كثوار في كسب تأييد وتعاطف أغلبية المصريين وضمهم لصف الثورة عندما ابتعدنا عنهم وعن احلامهم البسيطة وأصبح كل هدفنا هو التخلص من المجلس العسكري والاخوان بمجرد الدعوة للمسيرات والمظاهرات والاعتصامات التي لم تلق الدعوة اليها رواجا لدي قطاع كبير من الشعب المصري.

طبعا لا احتاج أن اذكركم بنقطتين في غاية الأهمية هما السبب الرئيسي في الموقف السئ الذي نواجهه الآن: -

1-      تقديم الاخوان لمرشحهم بالرغم من وعدهم لكافة القوى الوطنية أثناء وبعد الثورة بأنهم لن يرشحوا احد قياداتهم للرئاسة

2-      عدم اتحاد وتوافق مرشحي الثورة حول مرشح واحد على عكس رغبة مؤيديهم الذين ألحوا عليهم حتى قبل الانتخابات بيوم واحد

لكن من الواضح ان المجلس العسكري يريدنا أن نلجأ لشفيق كمهرب من نار الاخوان، أي أنه وضعنا في حالة رعب من الاخوان (لاحظ هنا تكرار نفس سيناريو أنا أو الفوضى للمخلوع) فنحتشد للتصويت لشفيق. لكن ماذا يحدث لو أن المعادلة اختلت؟ ماذا سيحدث لو أن المصريين سيقومون بالتصويت لمرسي هربا من شفيق؟ خاصة ان القوى الوطنية تعلمت الدرس وتريد أن تضغط على الاخوان (الذين بالمناسبة لا اثق فيهم بالمرة ولا أتوسم فيهم خيرا) للحصول على تطمينات وتأكيدات بأن يحدث تحالف أو تعاون مع حمدين وابو الفتوح مع وعد واضح مكتوب بضمانات محددة تمنع الاخوان من التراجع عن وعودهم كعادتهم وبالتالي يعطيهم الشعب أصواته، وانا اشك في ذلك حيث أن الاخوان لن يتنازلوا بسهولة عما وصلوا اليه من مكاسب . هل ستقوم القوى السياسية بالحصول على ضمانات من الاخوان فيما يخص اللجنة التأسيسية للدستور؟

طبعا هناك سيناريو خيالي في غاية الرومانسية والسذاجة يدفع بانه اذا كان الاخوان يريدون مصلحة الوطن بالفعل فلينسحب مرسي من سباق الرئاسة لكي تكون الاعادة بين حمدين وشفيق ونتكتل كقوى وطنية امام شفيق بما لا يدع مجالا للمجلس العسكري في التحكم في مقدرات هذا الشعب اكثر من هذا وتزوير ارادته. وهذا السيناريو من رابع المستحيلات بالطبع.

لكنني لدي تصور آخر قد يشوبه بعض الخيال وهو أن المجلس العسكري لم يكن ليعتقد ان المصريين سيصابون بكل هذا الكم من الغضب والاحباط بسبب تقدم شفيق حتى الآن. كما أنهم أغفلوا عنصرا مهما جدا في المعادلة وهو عدم القدرة على التنبؤ برد فعل هذا الشعب الذي لم يدخر أي جهد في مفاجأتنا منذ بداية الثورة المرة تلو المرة: حينا عند التفافه حول الثورة، ثم تصويته لنعم في الاستفتاء، ثم التصويت للاخوان في انتخابات الشعب، ثم عزوفه عن انتخابات الشورى، ثم عزوف معظم قطاعاته عن انتخابات الرئاسة، وفي نفس الوقت تصويت قطاع كبير منهم لحمدين صباحي في مفاجأة قلبت الموازين.

لكن سؤالي هنا هو هل ينجح الاخوان بأن يجمعوا حولهم بقية القوى السياسية الداعية للدولة المدنية والسلفيين وغيرهم في سابقة لم تتكرر في تاريخ الاخوان  بأن يقوموا بتقديم مصلحة الوطن على مصلحتهم الشخصية بتقديم وعود بأن يكون حمدين و-أو أبو الفتوح من ضمن الفريق الرئاسي لمرسي؟

لو حدث هذا، و لو رأى المجلس العسكري وأجهزته أن أغلب المصريين سيذهبون للتصويت لمرسي في جولة الاعادة، هل سيلجأون للتزوير على نطاق واسع؟ لا ننسى هنا انه قد بدأت حملة قوية للدعوة لمقاطعة جولة الاعادة  مع أني اشك في استجابة قطاعات كبيرة من الشعب المصري لها. لكنني متخوفة، حيث أن نسبة التصويت كانت متدنية للغاية في الجولة الأولى – حوالي خمسين في المائة، اذن من المتوقع بل من المؤكد ان نسبة مشاركة المصريين في الجولة الثانية ستكون أقل من الخمسين بالمائة قطعا مما يعطي دلالة بأن اللجوء للتزوير سيكون حتميا، قد يكون صعبا لكنه ليس مستحيلا. خاصة مع -في رأيي الشخصي - وفي ضوء مراقبتي للجان كوكيلة عن حمدين صباحي في منطقة سيدي جابر -42 لجنة فرعية في سيدي جابر وكليوباترا ومصطفى كامل ورشدي وسموحة -مع شفافية العملية الانتخابية على الأقل في الاسكندرية حيث كان الاشراف القضائي في منتهى الدقة واعتقد اننا جميعا لاحظنا ذلك مقارنة بانتخابات مجلس الشعب المؤسفة

أعتقد أننا تأكدنا بما لا يدع مجالا للشك أن أحمد شفيق - بعد كم التصويت الغير متوقع له- هو مرشح المجلس العسكري الذي سيضمن لهم الخروج الآمن ويضمن كذلك العفو عن مبارك وآله وصحبه. يتفق ذلك مع تصور البعض لسيناريو خيالي آخر وهو أن نعطي اصواتنا لشفيق لكي يحقق أهداف المجلس العسكري في مدة الأربع سنوات القادمة ثم نأتي بالمرشح الذي نريده في الدورة القادمة، ولو أنني ارفض هذا التصور بشدة لأن العسكر بعد 60 عام في السلطة لن يتخلوا عنها بالتأكيد.

أطرح هنا سيناريو خيالي لم أستطع أن أمنع نفسي من التفكير فيه! أمن الوارد أن يتغير السيناريو مخافة أن تتكرر موجة أخرى من الثورة أو مخافة أن يصوت المصريون للاخوان على عكس رغبة العسكري؟ هل يقوم النظام بتغيير التكتيك الذي اتبعه و نفاجأ بأن نتيجة الانتخابات تقضي بالاعادة بين حمدين ومرسي في استجابة لرغبة أغلب المصريين؟ وبالتالي يصوت الجميع لحمدين ويكون هو المرشح التوافقي بحق الذي يضمن مدنية الدولة وهدوء الأوضاع لمدة الأربع سنين القادمة مع ملاحظة أننا بالفعل نصوت لرئيس لا تعلم صلاحياته وتحت ظل مجلس عسكري لن يفرط في الحكم بسهولة أو لن يفرط فيه مطلقا! هل سيحدث مثلا أن نفاجأ باتخاذ اجراء ضد شفيق بسبب البلاغات المقدمة ضده، أو أن يعلنوا عن واقعة تزوير مؤكدة يتم استبعاد أصواته بسببها أو أن يتم فجأة اصدار حكم بتطبيق قانون العزل ضده؟

أنا أكتب هذه السطور وأنا أشاهد مؤتمر أحمد شفيق الصحفي الذي يبارك فيه الثورة ويترحم على الشهداء ويتحدث كما لو أنه الراعي الأول للثورة التي قال عنها أنها نجحت "للأسف"، ويغازل كل المرشحين الآخرين لكسب مؤيديهم بالطبع. كما أن هناك أخبار يتم تداولها بان حمدين صباحي قد يرفض التحالف مع الاخوان لرفضه مبدأ الاحتكار السياسي الذي يمارسه تيار مع الاسلام السياسي.

أرى أنه علينا الانتظار الآن لحين معرفة نتائج اجتماع اليوم بين مرشحي الرئاسة وما سيصرح به حمدين صباحي في مؤتمره الصحفي مساء اليوم واعلان النتائج النهائية للانتخابات.

فلنحسن ظننا بالله

ملحوظة: اعتذر اذا وجدتم ما أكتبه غير مترابط او يشوب افكاره بعض التفكك حيث ان الأفكار متلاحقة في راسي وكنت اريد كتابتها بسرعة لكيلا افقدها

مشيرة صالح

السادس والعشرين من مايو 2012

 

No comments:

Post a Comment