Monday, June 11, 2012

ويوم ما ابطل اشجع، حاكون ميت اكيد

صحابي لما بيحبوا يهزروا معايا، بيقولوا لي: "ايه اللي رجعك مصر؟". كنا بنضحك دايما وعمري ما رديت على السؤال ده، كنت باضحك على السؤال وخلاص. لكني كنت دايما مستنياني اشوف امتى حسأل نفسي السؤال ده او على الأقل اوافق محدثي او محدثتي على طرحه من الأساس او مشاركتهم الندم على الرجوع! صراحة تخيلت اني عمري ما حاقولها. آه والله قلت اكيد مش حاقولها..... قلتها النهارده!!! قلت النهارده يا ريتني ما رجعت.

القشة التي قسمت ظهر البعير هي قتلى الأهلي الذين نحتسبهم عند الله شهداء باذنه.  نعم! انا اساسا مش اهلاوية، بالنسبة لي الأهلي هو الحزب الوطني بتاع الرياضة، ده بالاضافة الى ان السيكولوجية بتاعتي مش بتحب المنتصر دائما على طول الخط، ما باحبوش، مش باتعاطف معاه، وعشان كده انا زملكاوية وما باحبش شتايمهم للعيبة. لكن انا في السنوات الأخيرة بقيت مش عارفة افهم النادي الأهلي ولا عارفة افهم سيكولوجية الناس اللي بتشجعه! بالنسبة لي فين العظمة لما تكون انت الطرف الوحيد اللي عنده قدرات ومواهب والأهم فلوس تخليه يقدر يشتري المزيد من القدرات والمواهب فبالتالي بتعرف تكسب كووووول الناس اللي بتلاعبهم، وفين نشوة الانتصار اللي بيحسها الألتراس. كانوا الألتراس بالنسبة لي كيان غريب ومش فاهماه، لكن ابتديت اتعرف عليهم بعد الثورة بعد ما شفت الدور اللي لعبوه فيها وبعد ما حسيت بطعم المظاهرة او المسيرة او الوقفة اللي بيتغير وبيتقلب رأسا على عقب اول ما بيظهروا وسطينا. بيقلبوا كل حاجة 180 درجة بوجودهم، سواء في اسكندرية او في التحرير. ولازم الابتسامة تفضل على وشي طول ما هما بيغنوا وبيهتفوا. بيخلقوا حالة كده مش عارفة اوصفها.  لكن برضه ما كنتش باحب حالة الفتونة اللي بيمارسوها على الأندية الأخرى، انا برضه بطبعي مش باحب الاستعلاء واستعراض القوة

فجأة حدثت المجزرة. مذبحة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. يوم 1 فبراير 2012، قبل يوم من ذكرى موقعة الجمل الشهيرة التي اقتحم فيها ابناء مبارك من الغشم والهمج ميدان التحرير اثناء الثورة بالجمال والحمير في محاولة خايبة لتكسير العظام. كانت القوى السياسية في الاسكندرية بتحضر للاحتفال بذكرى موقعة الجمل! لم اتصور اننا في ذكراها سنكون نقدم واجب العزاء في أحد أعضاء ألتراس الأهلي في الاسكندرية (محمود الغندور) اثر مذبحة استاد المصري ببورسعيد بعد المبارة بين النادي الأهلي والنادي المصري.

لحظتها وقعت في غرامهم ووقعت في دوامة حزن والم لا تنتهي ولم تحدث لي من قبل منذ اول الثورة. اصبحت مهووسة بهم وبقيت بابحث في الانترنت عن أي حاجة خاصة بيهم، فيديوهات و تسجيلات لأغانيهم، كلماتها. دخلت على الجروب بتاعهم وبقيت باتابع كل اللي بيكتبوه وكانوا بيكتبوه على الوول، خاصة أثناء المذبحة. طريقتهم في التعامل مع بعض، تنظيمهم العبقري، شتايمهم اللي بيستخدموها بدون أي ضوابط، اخلاقياتهم – ايوة ليهم اخلاقيات اخلاقيات للرابطة– قواعدهم، ايوة ليهم قواعد. (منها مثلا انهم ما يظهروش في الاعلام لأن الاعلام في رأيهم -وهو صحيح مائة بالمائة في رأيي انا- بيخلق هالة حول من يظهر به ويخلق منه بطل ومن ثم يمكن ان يخلق مشاكل بين الأعضاء مما قد يعرض هذا الكيان للخطر. لا استوعبهم! في بيئة افسدت روح المصريين وجعلتهم يتكالبوا على الظهور في الاعلام او التنافس على أي مناصب من أي نوع في أي كيان حتى ولو كان ديكوري هش، يأتي هؤلاء الأبطال ليلقنوا الجميع درسا في الايثار وتفضيل مصلحة الكيان على الفرد والايجو الخاص به) قريت ليهم كلمة على الفيسبوك بتقول الآتي: " ﻓﺮﺩ ﺍﻻﻭﻟﺘﺮﺍ ﻣﻌﺮﺽ ﺍﻧﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻮﻟﻴﺠﺎﻧﺰ ﻟﻠﺪﻓﺎﻉ..ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﺟﻞ ﺍﻟﻬﺠﻮﻡ.. ﺍﺫﺍ ﻗﺎﻡ ﻓﺮﺩ ﺍﻻﻭﻟﺘﺮﺍ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎﺟﻤﻪ.. ﺍﺻﺑحت ﻋﻘﻠﻴﺘﻪ ﺍﺩﻧﻰ ﻣﻦ ﺍﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﺮﺩ ﺍﻭﻟﺘﺮﺍ". شايفين الحكمة؟ والأهم فاهمينها؟ حسيت اني دخلت في عالم غريب. عالم لم اعتده من قبل، والأهم اني لم اكن افهمه.

ادمنت مشاهدة كل فيديوهاتهم اللي بيقولوا فيها هتافاتهم ايام الثورة وبعدها، وفيديهات تشجيعهم في الاستاد، طريقتهم الغير تقليدية في التشجيع، ابتكارهم، عملهم الدءوب، عقيدتهم وهي حب النادي الأهلي، نادي "الوطنية". وتعجبت كثيرا من ان كل اغانيهم تتمحور حول عشقهم الشديد للأهلي وازاي ان حياتهم ممكن يدفعوها فداء ليه وان ده مش كفاية، و انه من رابع المستحيلات انهم يبطلوا يشجعوا ناديهم العظيم "اعظم نادي في الكون" على حد وصفهم لأن الموت هو الشئ الوحيد الذي سيوقفهم عن التشجيع لأنه على حد قولهم في احدى أغانيهم "ويوم ما ابطل اشجع، حاكون ميت اكيد". وكنت اعترها ... مبالغة.

لقيت نفسي دخلت العالم السحري للألتراس، هذا الكيان المنظم الذي له عقيدة وهدف والأعجب انهم يجمعهم روح العمل الجماعي، لأ والأدهى ان ليهم قيادات كمان مش بتحب تبقى قيادات!!!

عشرات من شباب الألتراس حكت وما زالت ستحكي عن تلك الليلة التي لن تنساها مصر قط - ارجو ألا تنساها كما نست قصر ثقافة بني سويف المحرقة، قطار الصعيد، عبارة الموت وغيرها من المآسي التي شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة- سيستمر الشباب في الحكي عن بطولات وآلام ومآسي كلما أستمع اليها تتكشف لي روعة هؤلاء الشباب الذين لم نعط لهم وقتا ولا فرصة لكي نفهمهم، لكي نجلهم، لكي نتيقن انهم افضل ما فينا.. بل انبل ما فينا، الذين كما قال البعض، يؤمنون بالموت اكثر مما يؤمن الكثير منا بالحياة.

على فكرة بالنسبة لي ليس موتهم هو ما وضعني في هذه الحالة من الحزن والاكتئاب والاحساس بالذنب لمجرد انني حية ارزق حتى الآن وهم من هم ماتوا وقتلوا! ما صدمني وألقاني في هذا البئر الذي لا استطيع الخروج منه هو طريقة موتهم. لا استطيع ان اوقف رأسي من التفكير ولا استطيع ان اوقف خيالي من تصور اللحظات الأخيرة. هي تلك اللحظات الأخيرة التي تصيبني باختناق وبنوبة بكاء لا تتوقف عندما أتذكر هؤلاء الشباب والأطفال، الذين كثير منهم، اتصلوا بأمهاتهم اثناء المذبحة ليستنجدوا بهن! واحد منهم اتصل بأمه ليقول لها: "يا ماما بيقتلوا صحابي، انا خايف يا ماما بيرمونا من فوق المدرجات انا خايف"!!! أحد شهود العيان من أهالي بورسعيد (وفقا لفيديوهات رصدتها المبادرة المصرية لحقوق الانسان بقيادة النبيل حسام بهجت) قال ان أحد الضحايا كان ينادي أمه قبل ان يلفظ انفاسه الأخيرة. يوم المذبحة وأثناء حدوثها، وعلى قناة الأهلي في بث مباشر للمباراة كان يقدمه كابتن نادر السيد البطل الثوري، اتصلت أم احد الألتراس واسمه على ما اتذكر احمد محمد كامل، تستنجد بالكابتن نادر وتصرخ وتبكي بكا مر، وتقول له كيف انها وثقت في التصريحات التي سبقت المباراة وحسب قولها انهم ضحكوا عليهم وقالولهم ان المباراة حاتكون متأمنة. كابتن نادر حصلتله شبه حالة هستيريا وكل من بالاستديو انخرط في البكاء، كابتن ده اسماعيل وعصام عبد المنعم و كابتن نادر نفسه انهار في البكاء.

تلك المجموعة النبيلة التي حمت الثورة بالفعل ولم تنطق او تمن على القوى الثورية وعلى الثورة والمصريين مثل المجلس الأعلى وحليفه وطفله المدلل الاخوان. نعم حمت الثورة ولها عليها افضال ولها في ذمتها شهداء عدة منذ اندلاع الثورة وحتى يومنا هذا، وفي رأيي الشخصي، لأيام كثيرة قادمة حتى تنتصر الثورة.

اعتقد ان الثورات تحتاج لدماء تحييها وتبقى شعلتها تذكرها دائما بهدفها اذا حادت عن الطريق او حاول البعض – عن عمد - ان يطمس علامات الطريق من تحت اقدامها. اعتقد ان الثورة المصرية كانت وما زالت تدفع ثمن الحرية الذي ستنتزعها يوما ما. تلك الدماء، دماء المصريين الزكية الطاهرة، أتت وستأتي من الألتراس تحديدا، وغيرهم بالتأكيد.  لكن الألتراس سيكون لهم نصيب الأسد في تلك الدماء - لا اعلم أهو للأسف أم لاصطفاء الله عز وجل لهم – أقول ان الألتراس سيضحوا عشان احنا نعيش.

لسه سامعة ألتراس بيحكوا عن صديق لهم، أقل ما يوصف به أنه بطل، يوسف – كما حكوا عنه مع يسري فودة على قناة اون تي في – ذهب للحمام قبل انتهاء الماتش بعشر دقائق، رجع وجد المذبحة قد بدأت، جرى للضابط لكي يستجديه ويستعطفه ليفتح بوابة الاستاد التي حوصر فيها اصدقاؤه من ألتراس الأهلي، بكل عنجهية رفض الضابط ان يفتح البوابة. وعندما لم يستجب جرى يوسف، الله يرحمه ويصبر أهله، والتقط طوبة من الأرض لكي يكسر قفل البوابة الحديدية، وعندما اوشك على كسر القفل، تهاوت البوابة فجأة من التدافع. نعم... سقطت البوابة بعشرات شباب الألتراس المختنقين على ... يوسف. سقط شهيدا في الحال

مشيرة صالح 7 فبراير 2012
بعد مذبحة ألتراس الأهلي في بورسعيد على خلفية مباراتهم مع النادي المصري البورسعيدي

http://www.youtube.com/watch?v=8zZf0fTtnNg

هذه اللوحة فازت حسب ما سمعت بثالث افضل خلفية قام بها التراس في العالم وهي لوجو الفريق ومكتوب على الأطراف حلق وطير بحرية يا نسر نادي الوطنية

 

No comments:

Post a Comment